1

الجهات المؤثرة في التربية المقارنة وغاياتها

تعتمد طبيعة أي دراسة مقارنة في التربية على الأغراض التي أُجريت من أجلها، وهوية الأشخاص القائمين عليه. ويستهل هذا الفصل الأول بالإشارة إلى الفئات المختلفة من الأفراد الذين يباشرون دراسات التربية المقارنة، ثم يركّز على ثلاث مجموعات منهم: صانعي السياسات، والوكالات الدولية، والأكاديميين. ورغم أن هذا الكتاب يُعنى أساسًا بالمجموعة الأخيرة، فإن من المفيد التوقف عند أوجه التشابه والاختلاف بين مقاصد الأكاديميين ومناهجهم من جهة، وبين مقاصد المجموعات الأخرى ومناهجها من جهة أخرى.

فاعلون مختلفون، وأغراض مختلفة

تتوزّع الفئات التي تباشر بحوث التربية المقارنة على مجموعة من الأصناف، من أبرزها ما يلي:

يحرص الآباء عادة على إجراء مقارنات بين المدارس ومختلف النظم التعليمية، سعيًا إلى اختيار المؤسسة التي تضمن تلبية احتياجات أبنائهم بصورة أوفى وأكثر فعالية.

يقوم الممارسون، ومنهم مديرو المدارس والمعلمون، بعقد مقارنات تهدف إلى الارتقاء بأداء مؤسساتهم.

يعكف واضعو السياسات في كل دولة على فحص النظم التعليمية في أماكن أخرى، لاستكشاف الوسائل التي تمكّنهم من بلوغ أهدافهم الاجتماعية والسياسية وغيرها من الغايات في سياقاتهم الوطنية.

تسعى الوكالات الدولية إلى عقد مقارنات بين أنماط التعليم في بلدان متباينة، كي تطوّر جودة النصائح والتوجيهات التي تقدمها للحكومات الوطنية، ولغيرها.

يسعى الأكاديميون من خلال المقارنات إلى تحسين إدراك أبعاد كثيرة، تشمل القوى التي تشكّل النظم التعليمية وتوجّه مساراتها، فضلًا عن الأدوار التي تضطلع بها تلك النظم في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

عندما يعقد الآباء مقارنات بين الخيارات التعليمية، يكون دافعهم عمليًا بالأساس، ومتصلاً بحاجات أبنائهم المتطورة تبعًا لأعمارهم. فإذا اقترب الأطفال من سنّ الالتحاق برياض الأطفال أو بلغوه، انصرف اهتمام الوالدين إلى تلك المرحلة؛ وإذا حان وقت المدرسة الابتدائية أو التحقوا بها، انتقل تركيزهم إلى المدارس الابتدائية، وهكذا مع سائر المراحل التعليمية. وقد يُجري بعضهم مقارنات دقيقة وفق معايير منتقاة بعناية، إلا أنّ أهدافهم وطرائقهم تختلف في جوهرها عن أهداف غيرهم من الفاعلين، كما أنهم ليسوا محور الاهتمام الرئيس في هذا الكتاب.

يُماثل الممارسون، مثل مديري المدارس والمعلمين، الآباء في بعض الجوانب. فاهتماماتهم لا تتطور عادة بشكل خطي إلى مستويات أعلى من النظام التعليمي مع مرور السنوات، كالتدرّج من رياض الأطفال إلى المرحلة الابتدائية ثم إلى الثانوية الدنيا، بل تبقى مرتبطة في الغالب باعتبارات عملية. كما أنّ تركيزهم على مشكلات بعينها يتراجع بمجرد أن تُحلّ تلك المشكلات أو تزول أسبابها.

تنطبق ملاحظات مشابهة على صانعي السياسات. وقد أُولوا في هذا الكتاب قدرًا أوفر من الاهتمام، لأنهم أحرص من غيرهم على نشر نتائجهم في المجال العام لعرضها على التدقيق الخارجي، ولأنّ احتمالية هذا التدقيق تجعلهم أكثر عناية بالقضايا المنهجية. وتبرز فائدة خاصة عند تحليل أنماط المقارنات التي يباشرها صانعو السياسات عادة، إلى جانب طبيعة الاستنتاجات التي يصوغونها استنادًا إلى هذه المقارنات. وفي أحيان يكون الغرض من المقارنات دعم قرارات مستقبلية، غير أنها تُستعمل في كثير من الحالات لتسويغ قرارات متّخذة سلفًا. ويكشف النظر في هذه الممارسات، عبر العالم، عن أثر العوامل الثقافية والسياسية المتنوعة في صياغة مقاربات صانعي السياسات.

تتصدّر المقارنات التي تضطلع بها الوكالات الدولية دائرة الاهتمام في هذا الكتاب، إذ يشكّل القيام بها جزءًا أصيلًا من رسالتها وسببًا من أسباب وجودها. ومن أبرز الأمثلة على ذلك منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، التي أُنيط بها منذ تأسيسها دور مقارن لا ينفصل عن طبيعتها. ويجاورها في التأثير مؤسسات دولية كبرى مثل البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). ورغم أنّ لكلٍّ من هذه الهيئات محاورها الخاصة واهتماماتها المميزة، فإنّ ما يجمعها في طرائق المقارنة التي تنتهجها أوضح في الغالب مما يفرّق بينها. وكما هو شأن الممارسين وصانعي السياسات، تنطلق معظم مقارنات الوكالات الدولية من أهداف عملية مباشرة، غير أنّها كثيرًا ما تفتح آفاقًا أرحب لتأسيس تصورات نظرية وصياغة أطر مفاهيمية أوسع تمتدّ بتأثيرها إلى الحقول المعرفية المتصلة بالتعليم عالميًا.

قد ينصرف اهتمام الأكاديميين أحيانًا إلى أهداف عملية، ولا سيّما عندما يتولّون مهام استشارية أو يباشرون بحوثًا تطبيقية. غير أنّ الجزء الأهم من عملهم يظلّ مرتبطًا بالتنظير وصياغة الأطر المفاهيمية. ويزخر الميدان الأكاديمي بعدد كبير من النظريات التي تتبدّل بتبدّل الزمن، فتظهر اتجاهات جديدة وتتراجع أخرى، كما تختلف محاور التركيز من منطقة إلى أخرى عبر العالم. ويكفي أن نذكر أنّ ميدان التربية المقارنة نفسه يكتسب ملامح متباينة بين الصين، وبلغاريا على سبيل المثال. ومن ثمّ، فإن هذا الكتاب، على الرغم من تركيزه الرئيس على الدراسة الأكاديمية للتربية، يُقدَّم من خلال زوايا نظر متعددة ورؤى متنوّعة.

صانعو السياسات ودورهم في توجيه بحوث التربية المقارنة

انشغل جزء كبير من ميدان التربية المقارنة بالجانب العملي، حيث انصبّ الاهتمام على استنساخ النماذج التعليمية ونقلها. فكثيرًا ما يسعى صانعو السياسات في بلد ما إلى الاطّلاع على ما هو مطبَّق في بلدان أخرى، ثم يقدمون على تقليده، إمّا كما هو أو بعد تعديله بما يتناسب مع سياقاتهم. وقد شاع في بعض الأدبيات وصف هذه الممارسة بمصطلح استعارة السياسات التعليمية، كما ورد في أعمال (شتاينر–خامسي 2004)، و(فيليبس وأوكس 2007)، و(شتاينر–خامسي ووالدو 2012). غير أنّ هذا الوصف يحمل قدرًا من الإيهام، لأنه يوحي بأن النماذج ستُعاد إلى أصحابها بعد الاستخدام، وهو أمر نادر إن لم يكن معدومًا.

عندما يبحث صانعو السياسات عن أفكار يرونها جديرة بالاستعارة، فإن أول ما يواجههم هو تحديد الوجهة التي يتعيّن أن يتوجهوا إليها في بحثهم. ويكشف استعراض الاتجاهات العالمية عن وجود تحيّزات واضحة في نوعية الأماكن التي يعتبرونها صالحة للاستقصاء. ويظهر هذا التحيّز بداية في عامل اللغة، إذ إن صانعي السياسات الذين يجيدون التحدث بالإنجليزية والاطلاع على أدبياتها يميلون إلى البدء بالبلدان الناطقة بالإنجليزية، بينما يتوجّه الناطقون بالعربية إلى الدول الناطقة باللغة العربية، وينطبق الأمر ذاته على لغات أخرى. كما يظهر تأثير الروابط السياسية والكيانات الإقليمية، مثل الاتحاد الأوروبي أو رابطة أمم جنوب شرق آسيا أو جماعة الكاريبي، حيث تحدد هذه الروابط مسارات البحث والاختيار. وهناك أيضًا عامل يتصل بالتصورات الهرمية بين الدول، فالدول الأقل نموًا تسعى غالبًا إلى استلهام تجارب الدول الأكثر تطورًا، في حين تركز الدول المتقدمة على مثيلاتها في التقدم الاقتصادي. ومن المُلاحظ أن صانعي السياسات في الدول الصناعية نادرًا ما ينظرون في النماذج الآتية من الدول النامية، رغم أن بعض التحليلات ترى أن في ذلك فائدة كان يجدر الالتفات إليها.

وعند الانتقال إلى أمثلة محددة، يظهر دليل واضح على تبنّي النماذج التعليمية في المملكة المتحدة. ففي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي استندت بعض الإصلاحات البريطانية، ولو جزئيًا، إلى التجربة في الولايات المتحدة الأمريكية. وشملت هذه الإصلاحات: القروض الطلابية للتعليم العالي، والمدارس المغناطيسية، ومجالس التدريب وريادة الأعمال، واتفاقات التعاون بين التعليم وقطاع الأعمال، والكليات المجتمعية، ونظام الترخيص للمعلمين، وبرامج التدريب على العمل (فينغولد وآخرون 1992، ص 7).

لم يكن ممكنًا تناول كل الأمثلة بالتحليل التفصيلي، إلا أنّ التوقف عند المثال الأول، وهو القروض الطلابية، يكشف عن أبعاد مهمّة. فقد قام وزير التعليم في (المملكة المتحدة) بثلاث رحلات رسمية إلى (الولايات المتحدة الأمريكية) لمناقشة برامج دعم الطلاب، وأعاد في خطاباته وكتاباته التأكيد على ما اعتبره مزايا جوهرية للنماذج الأمريكية (ماكفارلاند 1993، ص 51). ثم جاءت برامج القروض التي أطلقت لاحقًا في (المملكة المتحدة) جزءًا من حزمة إصلاحية واسعة انبثقت عن رؤية حكومية للإصلاح الجذري في التعليم. غير أنّ اندفاع الدوافع السياسية منح صانعي السياسات مبرّرًا لتجاهل تفاصيل دقيقة: أولهـا الكيفية التي عملت بها القروض فعلًا في (الولايات المتحدة الأمريكية)، وثانيها مدى ملاءمتها للعمل في السياق البريطاني. ومع ذلك، اعتبر هؤلاء أن أدوات التربية المقارنة تقدّم عونًا مفيدًا، وأضفت على قراراتهم بعدًا من الشرعية. وقد عُدّت (الولايات المتحدة الأمريكية) مصدرًا مناسبًا للنماذج التعليمية، انطلاقًا من الروابط الشخصية بين أبرز السياسيين، وإيمانًا بقدرتها على تمثيل نجاح يُحتذى به في السوق العالمية (ويتي 2012).

كما نظرت عديد من البلدان الأخرى إلى الولايات المتحدة الأمريكية كمصدر للنماذج. من بينها سويسرا، حيث لم تقتصر السلطات على الإشارة صراحةً إلى النماذج في الولايات المتحدة فحسب، بل استعانت أيضًا بمستشارين أمريكيين لتطوير حزمة إصلاح للمدارس (شتاينر خامسي 2002، ص 76). وكما هو الحال في المملكة المتحدة، تم تشكيل التحركات بقوة من قبل القوى السياسية المحلية، ومع تغير المشهد السياسي المحلي، تغيرت كذلك استراتيجية استيراد النماذج. بعد فترة من النقاش المحتدم والاحتجاج من قبل نقابات المعلمين، نأت وزارة التعليم بنفسها علنًا عن النماذج الأمريكية. وبدلًا من ذلك، استخدمت السلطات إشارات إلى الإصلاحات الأوروبية، خاصة في هولندا، والدنمارك. وفقًا لشتاينر خمسي (2002، ص 79)، فإن هذا التوجه الجديد يناسب صانعي السياسات لأن النماذج الأوروبية كانت أقل شهرة في مجتمع التعليم السويسري، وبالتالي كانت أقل عرضة للنقد والجدل. في هذه الحالة، فإن التربية المقارنة استخدمت ليس فقط باعتبارها مصدر للأفكار، ولكن أيضًا لإضفاء الشرعية في الإجراءات التي ترغب الحكومة في القيام بها.

شهدت الحقبة الاستعمارية ممارسة شائعة تمثّلت في تبنّي نماذج التعليم من الدولة المستعمِرة ذاتها، أو من مستعمرات أخرى تابعة للقوة نفسها، وغالبًا ما كانت هذه النماذج تُنقل مع إدخال بعض التعديلات عليها (جيفورد ووايسكل 1971؛ ألتباخ وكِلي 1978؛ توماس وبوستلثويت 1984). وهكذا، فقد عكست النظم التعليمية في أرجاء الإمبراطورية البريطانية ملامح متقاربة تعكس الأطر السياسية التي كانت المستعمرات خاضعة لها، الأمر الذي أدّى في الوقت نفسه إلى تمايزها عن النظم المدرسية في الإمبراطوريات الفرنسية والبرتغالية والإسبانية وغيرها. فعلى سبيل المثال، بينما كانت المدارس الثانوية في المستعمرات البريطانية تقود عادةً إلى امتحانات الشهادة المدرسية، كانت المدارس في المستعمرات الفرنسية تؤهل إلى شهادة البكالوريا. وتنوّعت أوجه الاختلاف الأخرى ما بين السياسات المتعلقة بمكانة اللغات المحلية أو إقصائها عن دورها كوسائط للتدريس، والسياسات الخاصة بحجم الصفوف الدراسية وأجور المعلّمين.

أبانت المراحل التي أعقبت الاستعمار عن مزيج معقّد جمع بين روابط قديمة استمرّت بفعل الإرث التاريخي وروابط جديدة نشأت مع التحوّلات السياسية والاقتصادية. وتظهر هذه الصورة جلية في هونغ كونغ، التي كانت مستعمرة بريطانية حتى انتقالها إلى السيادة الصينية عام 1997، حيث وجد صانعو السياسات أنفسهم في حاجة إلى الاستعانة بمصادر خارجية يستلهمون منها التوجهات المستقبلية. ويمكن الوقوف على ذلك من خلال أربعة تقارير بارزة نُشرت مباشرة بعد هذا التحوّل السياسي لتكون شاهدة على نوعية المرجعيات التي اعتمدوا عليها.

أصدر صانعو السياسات في هونغ كونغ عام 1999 وثيقة تشاورية تتعلق بأهداف التعليم، وقد ألحقت بها مادة خاصة تستعرض أبرز التطورات التعليمية في بلدان أخرى (هونغ كونغ 1999، الملحق 4). وشملت القائمة كلًا من الصين واليابان وسنغافورة وتايوان، إلى جانب المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.

تضمنت وثيقة تشاورية حول الإصلاحات التعليمية صدرت عام 2000 ملحقًا بعنوان إصلاحات في أماكن أخرى (هونغ كونغ 2000، الملحق الأول). وقد أشار الملحق إلى تجارب متنوّعة امتدت من شرق آسيا إلى أمريكا الشمالية، شملت شنغهاي وتايبيه وسنغافورة واليابان وجمهورية كوريا ومدينة شيكاغو، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

جاء في تقرير عن التعليم العالي صدر عام 2002 أعدّه (ساذرلاند) ملحق بعنوان أمثلة دولية في حوكمة المؤسسات وإدارتها (ساذرلاند 2002، الملحق د). وقد استعرض هذا الملحق تجارب خمس جامعات بارزة تمثل أقاليم أكاديمية مختلفة: جامعة بنسلفانيا وجامعة ويسكونسن–ماديسون في الولايات المتحدة الأمريكية، وجامعة وُورِك وكلية إمبريال للعلوم والتكنولوجيا والطب في المملكة المتحدة، فضلًا عن جامعة ملبورن في أستراليا. وقد أُدرجت هذه الأمثلة لتوضيح تنوع نماذج الحوكمة والإدارة على المستوى المؤسسي عالميًا.

أصدرت اللجنة الاستشارية لتأهيل المعلمين واعتمادهم ACTEQ عام 2003 تقريرًا تناول موضوع كفاءات المعلّمين، وتضمّن ملحقًا ثالثًا خُصّص للتنمية المهنية المستمرة تحت عنوان سياسات وممارسات التنمية المهنية للمعلمين في مناطق مختارة (ACTEQ 2003، الملحق ج). وقد استعرض هذا الملحق تجارب من ثلاث مناطق متميزة هي اسكتلندا وإنجلترا والصين القارية، وذلك لإبراز التنوّع في السياسات والممارسات المعتمدة.

أبرزت القوائم تنوعًا واسعًا في المواقع التي استُقيت منها البيانات، يجمع بين استمرار الإرث الاستعماري وبروز اختيارات جديدة. فقد ظهرت المملكة المتحدة في موقع بارز، وشملت اسكتلندا وإنجلترا ضمن مكوّناتها، بينما امتدت القوائم في الوقت نفسه لتضم مناطق أخرى من العالم. وانعكس هذا التوسّع في الطبيعة الثنائية للغات الرسمية في هونغ كونغ، حيث الإنجليزية والصينية، فجاء معظم المواقع المختارة من مجتمعات ناطقة بإحداهما. وأُضيفت إلى ذلك مجتمعات صناعية متقدمة في آسيا، مثل اليابان وجمهورية كوريا، التي ارتبطت بهونغ كونغ بروابط ثقافية ونالت احترامًا عالميًا بفضل نجاحاتها الاقتصادية. كما كشفت القوائم عن تنوع في وحدات المقارنة؛ ففي بعض المواضع جرت المقارنة مع دول مثل سنغافورة واليابان واسكتلندا والولايات المتحدة الأمريكية، وفي مواضع أخرى تمّت المقارنة مع مدن مثل شنغهاي وتايبيه وشيكاغو التي تعكس هوية حضرية مشابهة لهونغ كونغ. أما التقرير المتعلق بالتعليم العالي فقد وجّه المقارنة نحو المؤسسات الجامعية، وكلها تنتمي إلى دول ناطقة بالإنجليزية ذات اقتصادات متقدمة، وهي أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.

ومن اللافت أنّ هونغ كونغ والدول المجاورة لها في شرق آسيا كانت تستلهم نماذج من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، غير أنّ هاتين الدولتين تطلعتا بدورهما أحيانًا إلى شرق آسيا للبحث عن نماذج. وفي إنجلترا برز مثال يتمثل في تقرير أعدّه مكتب الحكومة لمعايير التعليم OFSTED، قدّم حجّة قوية لصالح الدراسة المقارنة للتربية، وحظي باهتمام واسع وتقدير كبير (كروسلي وواتسون 2003، ص 2، 6؛ ألكسندر 2008، ص 9). وأولى التقرير اهتمامًا خاصًا بارتفاع معدلات التحصيل لدى التلاميذ في اليابان وهونغ كونغ وكوريا وسنغافورة. وأوضح في بعض أجزائه أنّ هذه النتائج تعكس عوامل ثقافية يصعب نقلها إلى المملكة المتحدة، لكنه أشار أيضًا إلى أبعاد تتعلق بالنظم والمدارس والفصول الدراسية يمكن تشكيلها وتوجيهها من خلال قرارات السياسات التعليمية.

سعى صانعو السياسات في الولايات المتحدة الأمريكية إلى استلهام الخبرة التربوية من شرق آسيا في مراحل مختلفة. ففي عام 2009 وجّه الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) خطابًا للتربويين أشاد فيه بالنظام التعليمي في كوريا الجنوبية، مبيّنًا أن "أطفالنا يقضون أكثر من شهر أقل في المدرسة كل عام مقارنة بأطفال كوريا الجنوبية" (كوريا تايمز 2009). وأضاف أنّ على الأمريكيين "ألا يكتفوا بتوسيع البرامج الفعّالة بعد الدوام الدراسي، بل أن يعيدوا النظر في اليوم المدرسي نفسه ليضم ساعات أطول". وقد أثارت هذه التصريحات دهشة الكوريين الذين رأوا أنّ نظامهم التعليمي بالغ الصرامة، وأعربوا عن رغبتهم في نظام أكثر مرونة على غرار النمط الأمريكي (بارك 2012). ومع ذلك، لم يتوقف المربون الأمريكيون عن متابعة الدراسات الدولية المتعلقة بالتحصيل الدراسي، وركزوا بوجه خاص على أسباب تفوق نتائج بعض الدول الآسيوية وما يمكن استخلاصه منها من دروس (OECD 2011؛ توكر 2011).

بينما شدّدت الفقرات السابقة على المقارنات بين الدول، فإن صانعي السياسات يجدون في المقارنات داخل الدولة الواحدة مصدرًا لا يقل أهمية للفهم وصياغة القرارات. وتبرز هذه الأهمية بوضوح في النظم الفدرالية التي تكشف عن اختلافات جوهرية بين الولايات أو المقاطعات في الهيكل التعليمي والمضامين الدراسية. ففي الهند مثلًا، قدّم تقرير الحالة السنوي للتعليم سلسلة من البيانات المنتظمة التي تناولت معدلات الالتحاق والتجهيزات المتاحة ومستويات تعلّم الأطفال في معظم الولايات والأقاليم الاتحادية البالغ عددها 35 (براثام 2013). وقد أبان التقرير عن تفاوت واسع في الموارد التعليمية، وأوصى بإجراءات تهدف إلى تعزيز الإنصاف وتحسين الجودة. وفي كندا، حيث يختلف السياق الاقتصادي والاجتماعي، أبرزت الإحصاءات الرسمية بيانات تتعلق بالالتحاق والإنفاق والفوارق في المناهج بين المقاطعات والأقاليم الثلاثة عشر (إحصاءات كندا 2013).

وتبرز في مقابل المقارنات المكانية مقارنات زمنية تُعنى بمتابعة التغيّر والاستمرارية عبر العصور. وقدّم التقرير الكندي (إحصاءات كندا 2013) مثالًا جليًا على هذا النوع من المقارنات، وله أمثلة موازية في سياقات دولية متعددة. ويُظهر صانعو السياسات ميلًا خاصًا إلى قياس إنجازاتهم بما حققه أسلافهم، وغالبًا ما يتخذون من ذلك وسيلة لإبراز مقدار ما جناه المجتمع أو ما يمكن أن يجنيه مستقبلًا من السياسات المعاصرة. ومع ذلك، فإن استحضار الماضي لا يقتصر على إبراز المكاسب، بل يكشف أيضًا عن العقبات التي تعترض طريق الإصلاح، وينبّه إلى المخاطر الكامنة في التوسع المفرط بالطموحات.

يبدي الأكاديميون أحيانًا موقفًا متحفّظًا أو حتى متشككًا إزاء الأعمال المقارنة التي يباشرها صانعو السياسات، إذ يرون أنّها مقيّدة بالأيديولوجيا إلى حد بعيد، وتفتقر في بعض الأحيان إلى المتانة في التصميم والدقة في التفسير. وعلى الجانب الآخر، قد لا يرضى صانعو السياسات عن إسهامات الأكاديميين، خصوصًا إذا افتقدت هذه الإسهامات إلى توصيات عملية واضحة أو لم تُقدَّم في التوقيت المطلوب. ومع ذلك، فإن التفاعل بين الجانبين يظل مصدرًا للتعلم المتبادل، فيما تضيف الوكالات الدولية بُعدًا ثالثًا يختلف في أساليبه ويقدّم دروسًا إضافية تستحق التأمل.

الوكالات الدولية والتربية المقارنة

يقتضي ضيق الحيّز المتاح الاقتصار على أمثلة محدودة، رغم ضخامة عدد الوكالات الدولية المنخرطة في قضايا التعليم. وقد وقع الاختيار هنا على ثلاث هيئات رئيسة تُعد الأكثر حضورًا وتأثيرًا، وهي: اليونسكو، والبنك الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD. وتمثل كل هيئة من هذه الهيئات كيانًا متنوّع الأبعاد، تحكمه أنماط داخلية متباينة، وقد شهدت أدوارها وتوجهاتها تطورات ملحوظة عبر الزمن. ورغم أنّ المجال لا يسمح بالتفصيل في هذه التحولات، فإنها نوقشت بعمق في كتابات عدد من الباحثين، مثل (جونز 2006)، (رضوي ولينغارد 2009)، و(سينغ 2011).

منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)

جاء تأسيس منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) عام 1945 في خضم مرحلة إعادة الإعمار التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، باعتبارها استجابة دولية للحاجة إلى ترسيخ السلام عبر الثقافة والعلم والتعليم. وقد أدرج واضعو دستورها مبدأً محوريًا يقوم على تعزيز المعرفة المتبادلة وتوطيد الفهم بين الشعوب، وجعلوا مطلع الدستور إعلانًا شهيرًا يقول: "لأن الحروب تبدأ في عقول البشر، فمن عقول البشر يجب أن تُبنى دفاعات السلام" (اليونسكو 1945). ثم أضاف الدستور أنّ الغاية التي أُنشئت المنظمة من أجلها هي:

سعت المنظمة منذ نشأتها إلى الإسهام في بناء السلام وصيانة الأمن العالمي عبر توثيق أواصر التعاون بين الأمم في مجالات التربية والعلم والثقافة، وذلك من أجل تعزيز الاحترام الكوني لقيم العدالة ولسيادة القانون، وضمان صون حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي أكّدها ميثاق الأمم المتحدة لشعوب العالم كافة، دون أي تمييز قائم على العِرق أو الجنس أو اللغة أو الدين. 

لم تتوقف الصراعات في شتّى أنحاء العالم عن كونها معضلة أساسية تهدد السلم والتنمية، غير أنّ اليونسكو واصلت تمسّكها العميق بهدفها في ترسيخ السلام وتعزيز التعاون بين الأمم، مؤكدة التزامها الراسخ تجاه هذه الرسالة رغم ما يحيط بها من تحديات.

يقع المقر الرئيس لليونسكو في العاصمة الفرنسية باريس، غير أنّ نشاط المنظمة يمتد عبر شبكة دولية واسعة تضم مكاتب وطنية وعنقودية وإقليمية ومكاتب ارتباط تؤدي دورًا محوريًا في توطيد حضورها حول العالم. وإلى جانب ذلك، تمتلك اليونسكو عددًا من المعاهد المتخصصة التي تنصرف إلى مجالات متعددة، ويأتي في مقدمتها المعاهد المعنية بالتعليم وصياغة سياساته، وهي:

المعهد الدولي لبناء القدرات في أفريقيا (IICBA)، ويقع في أديس أبابا، إثيوبيا.

معهد اليونسكو للتعلّم مدى الحياة (UIL)، ومقره في هامبورغ، ألمانيا.

المعهد الدولي للتخطيط التربوي (IIEP)، وله مكاتب في باريس بفرنسا وبوينس آيرس في الأرجنتين.

المعهد الدولي للتعليم العالي في أمريكا اللاتينية والكاريبي (IESALC)، ومقره كاراكاس، فنزويلا.

المكتب الدولي للتعليم، في جنيف، سويسرا.

المعهد الدولي لتكنولوجيا المعلومات في التعليم (IITE)، في موسكو، روسيا.

معهد المهاتما غاندي للتعليم من أجل السلام والتنمية المستدامة (MGIEP) في نيودلهي، الهند.

معهد اليونسكو للإحصاء، في مونتريال، كندا.

جاء تحديد الأهداف العامة لليونسكو وأولوياتها القطاعية في التعليم ضمن الاستراتيجية متوسطة الأجل للأعوام 2014–2021 (اليونسكو 2013). وقد ركّزت المنظمة على هدفين رئيسين: "الإسهام في بناء سلام دائم" و"الإسهام في تحقيق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر". وصيغت هذه الأهداف مع وعي تام بحدة الفجوة الفاصلة بين الأغنياء والفقراء، وبأهمية الإبقاء على تركيز دائم على العدالة والاندماج. وعلى هذا الأساس، رُسمت ثلاثة أهداف استراتيجية مخصصة لقطاع التعليم، هي:

** العمل على تطوير النظم التعليمية بما يضمن إتاحة فرص التعلّم مدى الحياة لجميع الأفراد بجودة عالية

** تعزيز قدرات المتعلمين ليصبحوا مواطنين مبدعين يتحلّون بالمسؤولية

** المساهمة في رسم ملامح الأجندة العالمية للتعليم في المستقبل

ذكرت الاستراتيجية متوسطة الأجل (اليونسكو 2013: 21) أنّ التعليم يقوم على الأساس التالي:

يُعد التعليم حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان، كما يُعد في الوقت ذاته وسيلة رئيسة لضمان الحقوق الأخرى ولتحقيق الأهداف الدولية للتنمية. وله انعكاسات مباشرة على مكافحة الفقر، وتعزيز الصحة العامة، وترسيخ المساواة بين الجنسين، وصون الاستدامة البيئية. ويقع التعليم في مركز قضايا الإدماج الاجتماعي والتحوّل المجتمعي، وقد بات محلّ إجماع عالمي أنّه لا يمكن لأي بلد أن يرتقي بظروف عيش مواطنيه ما لم يوجّه استثمارات جادّة وكبيرة نحو التعليم.

تعمل اليونسكو، في إطار سعيها لتحقيق أهدافها الكبرى، على إنجاز دراسات مقارنة في ميدان التعليم بغية استكشاف سبل عملية لتوسيع نطاق التعليم، والارتقاء بجودته، وتحديد الاتجاهات الملائمة لمساره على الصعيد العالمي. ويماثل هذا العمل المقارن، إلى حد معتبر، ما يقوم به صانعو السياسات كما جرى توضيحه آنفًا، غير أنّ اليونسكو تميّزت باضطلاعها بدور استشاري راسخ في مجال السياسات، موجّه على نحو خاص إلى الحكومات الوطنية. وقد جاء تركيزها على المستوى الوطني انعكاسًا لطبيعتها كوكالة تابعة للأمم المتحدة، حيث تُعتبر الدولة القومية الوحدة الأساسية في بنيتها المؤسسية. وتضم عضويتها دولًا صناعية متقدمة وأخرى أقل نموًا، غير أنّ الجهد الأكبر للمنظمة ظلّ منصبًا على خدمة الفئة الأخيرة.

يتجلّى تركيز اليونسكو على الدول باعتبارها الوحدة الأساسية للتحليل في إصداراتها الإحصائية السنوية. ويُظهر الجدول هذا التوجه من خلال بيانات التعليم الثانوي الأدنى، إذ خُصص لكل دولة سطر واحد، الأمر الذي منحها مظهرًا من المساواة الشكلية على الرغم من التباينات الهائلة في عدد السكان وسائر المؤشرات التنموية. فقد سُجلت الصين، التي بلغ عدد سكانها 1,300,000,000 وكان فيها 3,658,000 معلم للتعليم الثانوي الأدنى، في المساحة نفسها التي شغلتها جزر المالديف، ذات الـ 200,000 نسمة و3,000 معلم فقط. ويتكرّر هذا النهج في الاجتماعات الرسمية التي تدعو إليها اليونسكو، حيث تُعامل الدول على قدم المساواة، ويُعطى لكل دولة عضو صوت واحد دون اعتبار لاختلاف أحجامها أو مواردها.

الجدول 1.1: بيانات إحصائية حول التعليم الثانوي الأدنى في مجموعة من الدول الآسيوية المختارة

الدول

النسبة الإجمالية للتخرج

النسبة الإجمالية للتخرج

النسبة الإجمالية للتخرج

المعلمون

المعلمون

نسبة المعلم/الطالب

الدول

إجمالي

ذكور

إناث

العدد

النسبة المئوية للإناث

نسبة المعلم/الطالب

أذربيجان

93

95

91

بنغلادش

...

...

...

205

20

31

بوتان

67

67

67

2

41

22

كمبوديا

35

38

32

25

36

24

الصين

89

86

93

3,658

49

15

الهند

1,913

42

31

إندونيسيا

76

74

77

915

49

13

112

113

112

جزر المالديف

3

41

8

103

100

105

ميانمار

47

45

48

60

86

36

باكستان

35

41

29

الفليبين

69

62

77

136

76

39

جمهورية كوريا

103

68

19

تايلاند

76

71

81

129

56

22

أوزباكستان

98

100

96

فيتنام

314

69

17

ملاحظات: (1) يُقصد بمعدل التخرج الإجمالي العدد الإجمالي للخريجين في مستوى تعليمي محدد (هنا: التعليم الثانوي الأدنى) بصرف النظر عن أعمارهم، ويُعبَّر عنه كنسبة مئوية من السكان في سن التخرج النظري لذلك المستوى. (2) معظم البيانات تعود إلى عام 2010، غير أنّ بعض البيانات تعود إلى سنوات أخرى. (3) الرمز (…) يشير إلى عدم توافر بيانات.

المصدر: معهد اليونسكو للإحصاء (2012)، الصفحات من 98 إلى 103 ومن 118 إلى 120.

ورغم أنّ الدولة تظل الوحدة الرئيسة التي تبني عليها اليونسكو تحليلاتها، فإن المنظمة تعي بوضوح وجود مستويات أخرى للتحليل. فالتقرير الذي استُخرج منه الجدول لم يتناول المستوى دون الوطني، لكنه قدّم تحليلات على المستوى فوق الوطني. ويظهر ذلك في الشكل الذي يعرض، بحسب الأقاليم العالمية، العدد التقديري للأطفال في سن المرحلة الابتدائية الذين هم خارج نطاق التعليم. وقد حدّد الشكل نسب الأطفال الذين غادروا المدرسة بالفعل، وأولئك الذين يُتوقع التحاقهم مستقبلًا، وأولئك الذين يُرجَّح أن يظلوا خارج التعليم نهائيًا. وقد جرى تحديد هذه الأقاليم من خلال معايير تجمع بين البعد الجغرافي والسياسي؛ إذ أُلحقت بلدان شمال أفريقيا بمجموعة الدول العربية لا بمجموعة أفريقيا جنوب الصحراء، وأُدرجت أوروبا الغربية مع أمريكا الشمالية بدلًا من أوروبا الوسطى والشرقية، كما أُدرجت المكسيك ضمن أمريكا اللاتينية بدلًا من أمريكا الشمالية.

الشكل 1.1: الأطفال في سن المدرسة الابتدائية الذين كانوا خارج المدرسة، حسب المنطقة العالمية

النسبة المئوية لتوزيع الأطفال في سن التعليم الابتدائي غير الملتحقين بالمدارس (%)

embedded image

ملاحظة: البيانات لعام 2010.

المصدر: معهد اليونسكو للإحصاء (2012)، ص 10.

فعلى الرغم من أنّ جانبًا كبيرًا من نشاط اليونسكو يتسم بالعملية، إذ يركّز على توسيع نطاق التعليم ورفع مستوياته في الدول الأعضاء، فإن المنظمة لا تقتصر على هذا الجانب وحده، بل تؤدي كذلك دورًا مفاهيميًا وفكريًا بارزًا. ويتجلى هذا الدور فيما تصدره من منشورات تحليلية، لا من خلال مقرها الرئيس والمكاتب الإقليمية فحسب (هو 2012؛ اليونسكو 2012)، بل أيضًا عبر معاهدها المتخصصة (شيفيلباين وماكجين 2009؛ براي وفارغيز 2011؛ نافوكو وآخرون 2011).

وتسهم اليونسكو كذلك في إثراء ميدان التربية المقارنة عبر إصدارها لمجلتين علميتين بارزتين. أولاها المراجعة الدولية للتربية (International Review of Education – IRE) التي يتولى تحريرها معهد اليونسكو للتعلّم مدى الحياة. وبرغم أنّ عنوانها يحمل صفة "الدولية" لا "المقارنة"، فإن المجلة تعرّف نفسها (IRE 2013) بأنّها "أطول دورية دولية مستمرة تُعنى بالنظرية والممارسة المقارنة للتعليم الرسمي وغير الرسمي". وقد أُنشئت المجلة عام 1931، لكنها عاشت فترات من الاضطراب قبل أن يُعاد إطلاقها عام 1955 تحت رعاية ما كان يُعرف آنذاك بـ "معهد اليونسكو للتربية" (روش 2013، ص 153). ويُكتب معظم محتواها بالإنجليزية، مع نشر بعض المقالات بالفرنسية، وكانت حتى عام 2013 (روش 2013، ص 154) تسمح بنشر مقالات باللغة الألمانية أيضًا قبل أن يتغير نهجها التحريري.

أما المجلة الثانية فهي آفاق: المراجعة الفصلية للتربية المقارنة (Prospects: Quarterly Review of Comparative Education)، التي يحررها المكتب الدولي للتربية التابع لليونسكو ومقره سويسرا. وقد بدأت المجلة مسيرتها عام 1969 من المقر الرئيس لليونسكو في فرنسا تحت اسم آفاق في التربية: نشرة فصلية. وفي عام 1972 تغير اسمها إلى آفاق: المراجعة الفصلية للتربية، قبل أن يُضاف إلى عنوانها مصطلح "المقارنة" سنة 1995. وتمتاز هذه المجلة عن المراجعة الدولية للتربية (International Review of Education) بكونها تُترجم بأكملها إلى عدة لغات، في حين يمكن للأخيرة أن تجمع مقالات بلغتين فقط في العدد الواحد. وعند انطلاقها صدرت بالإنجليزية والفرنسية، ثم أضيفت إليها لاحقًا لغات أخرى. ومع انتقال مكتب التحرير عام 1993 إلى المكتب الدولي للتربية، كانت المجلة تصدر بالفعل بست لغات: الإنجليزية، الفرنسية، الإسبانية، العربية، الصينية، والروسية. غير أن ضغوط التمويل وصعوبات النشر حالت دون الاستمرار في إصدارها بجميع هذه اللغات، وإن حافظت دائمًا على صدورها بالإنجليزية، مع صدورها أحيانًا بلغات أخرى.

البنك الدولي

أدرك للخبراء الماليين خلال سنوات الحرب العالمية الثانية أنّ العالم في مرحلة ما بعد الحرب سيواجه تحديات نقدية ومالية جسيمة، وأن معالجتها تستلزم ترتيبات تعاون دولي مؤسسية. وبعد اجتماعات تحضيرية متعدّدة، التأم ممثلو 44 دولة حليفة في بريتون وودز بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 1944، وأسفر الاجتماع عن إنشاء صندوق النقد الدولي (IMF) والبنك الدولي للإنشاء والتعمير (IBRD). ويُعرف هذا الأخير اليوم باسم "البنك الدولي". وكان الاسم الطويل يعكس غايته الأصلية المتمثلة في إقراض الأموال لإعادة إعمار أوروبا الممزقة بالحرب. ومع إنجاز عملية الإعمار الأوروبية، أعاد البنك توجيه اهتمامه نحو دعم الدول الأقل نموًا في العالم، وهو ما يفسر تراجع استخدام اسمه الكامل في الخطاب المعاصر. وفي عام 1945، أي بعد مؤتمر بريتون وودز بعام واحد، تأسست منظمة الأمم المتحدة، ثم انضم البنك عام 1947 إلى منظومتها، ليصبح من الناحية الرسمية إحدى هيئاتها، وإن كان يتمتع ببنية حوكمية مختلفة عن تلك التي تخضع لها اليونسكو ومعظم الوكالات الأممية الأخرى.

يتسم البنك الدولي بطابع متعدد القطاعات، إذ تشمل أنشطته مشروعات تمتد من الزراعة إلى إمدادات المياه. ورغم أنّ العقود الأولى من عمله لم تتضمن التعليم ضمن مجالاته، فإن هذا القطاع أخذ يكتسب أهمية متزايدة منذ أوائل ستينيات القرن العشرين (جونز 2006، ص 101–131). وفي عام 2013، أعلن البنك الدولي أنّه يُعد من أكبر الممولين الخارجيين للتعليم في الدول النامية، مشيرًا إلى أنّه يدير محفظة استثمارية تصل قيمتها إلى 9 مليارات دولار أمريكي، تشمل عمليات في 71 دولة (البنك الدولي 2013). وخلال الفترة الممتدة حتى عام 2012، خُصصت النسبة الأكبر من المشروعات الجديدة للتعليم الأساسي (64%)، تلتها مشروعات التعليم الثانوي الأعلى أو المهني (17%)، ثم مشروعات التعليم العالي (19%) (البنك الدولي 2012، ص 3). وعلى غرار ما قامت به اليونسكو، ركّز البنك الدولي بشكل بارز على تحقيق أهداف الألفية الإنمائية (MDGs) وأهداف التعليم للجميع (EFA).

يتخذ البنك الدولي من واشنطن العاصمة في الولايات المتحدة الأمريكية مقرًا رئيسًا له، وتُعدّ اللغة الإنجليزية لغة العمل الغالبة داخله. ومع ذلك، يتعامل البنك بلغات متعددة بحسب مقتضيات المشروعات الميدانية، وقد أتاح موقعه الإلكتروني عام 2013 (www.worldbank.org) معلومات منشورة بسبع عشرة لغة، هي: العربية، والإندونيسية، والبلغارية، والصينية، والإنجليزية، والفرنسية، والخميرية، واليابانية، والمغولية، والبرتغالية، والرومانية، والروسية، والإسبانية، والتايلاندية، والتركية، والأوكرانية، والفيتنامية. ويترجم هذا التنوع اللغوي مدى الانتشار العالمي للبنك، إذ يملك شبكة واسعة من المكاتب في بلدان متعددة، ويعمل ضمن صفوفه ما يزيد على 10,000 موظف حول العالم.

ومثلما هو الحال في منظمة اليونسكو، ينشغل البنك الدولي بالدرجة الأولى بالتطبيق العملي للتربية المقارنة، إذ يركّز معظم أعماله التحليلية على مستوى الدول كوحدات أساسية للدراسة. غير أنّ البنك لم يقتصر على هذا الجانب، بل قدّم طيفًا واسعًا من الدراسات التحليلية في مجال التعليم، سواء في وثائق سياساته العامة (البنك الدولي 2011) أو في أبحاث تتناول قضايا محددة (باترينوس وآخرون 2009؛ مايجارد ومينغات 2012؛ سوندرغارد وآخرون 2012). ووفاءً بمهمته الأساسية، فقد خُصّص القسم الأكبر من هذه الدراسات للدول الأقل نموًا، غير أنّ أوروبا الشرقية والوسطى اكتسبت بدورها أهمية متزايدة منذ أن صارت في تسعينيات القرن العشرين من أبرز مجالات اهتمام البنك.

لا يصدر البنك الدولي مجلات متخصصة في مجال التعليم، إلا أنه يساهم في هذا الميدان من خلال نشر مقالات بحثية في مجلتين أكاديميتين رئيستين تابعتين له، هما: المراقب البحثي للبنك الدولي (The World Bank Research Observer) والمراجعة الاقتصادية للبنك الدولي (The World Bank Economic Review) (دانغ وروجرز 2008؛ تشينيو 2012؛ فان دي سيجيب 2013). وبالنظر إلى طبيعته كمؤسسة مالية، فإن أغلب بحوثه في التربية المقارنة تنصرف إلى قضايا الاقتصاد والتمويل، أكثر من تناولها لموضوعات البيداغوجيا والمناهج الدراسية (كولينز ووايزمان 2012؛ كليس وآخرون 2012). وكما هو الحال في مجمل أنشطته، تبقى الدولة الوحدة الأساس للتحليل.

أجرت جمعية التربية المقارنة والدولية CIES، وهي أكبر كيان علمي من نوعه عالميًا ويقع مقرها في الولايات المتحدة، مسحًا لعضويتها استهدفت من خلاله التعرف على أبرز المنظمات الحكومية وغير الحكومية التي يُنظر إليها بوصفها الأكثر تأثيرًا في ميدان التربية المقارنة (كوك وآخرون 2004، ص 140–141). وقد ورد في نتائج المسح ذكر 188 مؤسسة، غير أنّ البنك الدولي تبوّأ الصدارة بنسبة 19.7% من الردود، يليه اليونسكو بنسبة 15.8%، ثم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID بنسبة 7.8%، تلتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة UNICEF بنسبة 5%، ثم منظمة الأمم المتحدة بنسبة 3.7%، وأخيرًا منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD بنسبة 3.5%. ومن المهم الإشارة إلى أنّ 69.3% من مجموع 419 مشاركًا كانوا يقيمون في الولايات المتحدة، وهو ما يعكس نزعة تحيّز نحو المؤسسات ذات الحضور القوي في ذلك البلد والناشرة بالإنجليزية، ومع ذلك فإن ما يقارب ثلث العينة جاء من خارج الولايات المتحدة، وهو ما يمنح نتائج المسح طابعًا أكثر توازنًا وأبعد من الاقتصار على الرؤية الأمريكية وحدها.

منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)

تُعد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أصغر من كل من اليونسكو والبنك الدولي من حيث التأسيس، إذ أُنشئت سنة 1961، غير أنّ نشأتها ارتبطت بالسياق التاريخي ذاته الذي أعقب الحرب العالمية الثانية. فقد جاءت امتدادًا لمنظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي (OEEC) التي أُسست عام 1947 بدعم من الولايات المتحدة وكندا لمساندة عملية إعادة بناء الاقتصادات الأوروبية. وقد شاع وصف الـ OECD بأنها "نادٍ للأغنياء" يضم الدول الصناعية الغنية (وودوارد 2009، ص 1). وتقر المنظمة بشيء من صحة هذا التوصيف، لكنها أوضحت في أحد منشوراتها الرسمية (OECD 2008، ص 8) ما يلي:

تُصنّف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بوصفها إطارًا يجمع دولًا تتشابه في التوجهات وتتبنّى رؤى متقاربة، حيث يقتصر الانضمام إليها عمليًا على الدول التي تلتزم باقتصاد السوق وتؤمن بالديمقراطية التعددية. وتُعد المنظمة من أبرز التكتلات الاقتصادية الثرية، إذ كان عدد أعضائها 30 دولة [ثم ارتفع إلى 34 في عام 2010] تنتج مجتمعةً ما يقارب 60% من إجمالي السلع والخدمات على مستوى العالم. ومع ذلك، فهي ليست حكرًا على أعضائها فقط، إذ تُتيح للدول غير الأعضاء الاشتراك في اتفاقياتها ومعاهداتها، كما تفتح المجال لتبادل الخبرات وتبادل الرؤى حول قضايا ذات اهتمام مشترك مع ما يزيد على 100 دولة واقتصاد آخر.

يقع المقر الرئيسي لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في باريس، وتتمثل لغتا العمل الأساسيتان فيها بالإنجليزية والفرنسية.

وعلى غرار البنك الدولي، تتسم منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بامتداد عملها إلى طيف واسع من القطاعات. فإدارتها الاقتصادية تضطلع بالمهام الجوهرية وتُعدّ أكبر أقسام المنظمة وأكثرها تأثيرًا، في حين تتوزع بقية الأقسام لتغطي مجالات البيئة والتكنولوجيا والغذاء والاتصالات وقضايا التوظيف. كما تمتلك المنظمة مجموعة من الهيئات شبه المستقلة التي تعمل ضمن نطاقها المؤسسي، وتشمل وكالة الطاقة النووية، ووكالة الطاقة الدولية، ومؤتمر وزراء النقل الأوروبي.

وقد أصبح التعليم أحد الميادين البارزة على أجندة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، إذ ازدادت مكانته بوضوح خلال العقود الأخيرة. ففي عام 2002 أنشأت المنظمة مديرية التعليم، التي عُرفت لاحقًا باسم مديرية التعليم والمهارات، لتكون خلفًا لوحدة فرعية سابقة. ووفقًا لبيان رسمي صادر عن المنظمة (OECD 2008، ص 19–20)، فإن هذه المديرية "تسهم في مساعدة الدول الأعضاء على تحقيق تعلّم عالي الجودة للجميع، بما ينعكس إيجابًا على التنمية الشخصية، ويعزز النمو الاقتصادي المستدام، ويدعم التماسك الاجتماعي". وتركّز المديرية بشكل خاص على محاور رئيسة، من أبرزها: تطوير أساليب تقييم نتائج التعليم وتحسينها، والعمل على ترسيخ جودة التدريس، وبناء التماسك الاجتماعي من خلال النظام التعليمي.

ويحتل التقرير السنوي التعليم في لمحة (Education at a Glance) مكانة بارزة بين منشورات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في ميدان التعليم، إذ يُنظر إليه باعتباره المرجع الأكثر شهرة وشمولًا في هذا السياق. وقد صدر أول عدد من التقرير عام 1992، لتأتي الإصدارات اللاحقة أكثر اتساعًا في نطاقها وأكثر دقة وموثوقية في بياناتها، فضلًا عن تعزيز قدرتها على إتاحة المقارنات الدولية. غير أنّ تحقيق هذا الهدف لم يكن بالمهمة اليسيرة، كما أشار هنري وآخرون (2001، ص 94):

تُظهر التجارب أنّ البيانات الوطنية غالبًا ما تأتي ناقصة أو مشوبة بعدم الدقة، فضلًا عن افتقارها للتزامن من حيث التوقيت وأساليب الجمع. ففي الدول ذات النظام الاتحادي، مثل الولايات المتحدة وأستراليا وكندا وألمانيا، تُقدَّم البيانات عادة في شكل متوسطات مرجّحة، غير أنّ هذه العملية لا يمكن افتراض أنّها أُجريت وفق آلية موحّدة أو منسّقة. وحتى البيانات المجمّعة على المستوى الكلي قد لا تكون موثوقة بسبب تغيّر التعريفات أو تبدّل المناهج المستخدمة في القياس. ويتفاقم هذا التحدي على وجه الخصوص عند جمع بيانات تتعلق بالمشاركة في التعليم العالي، حيث تؤدي الإصلاحات التي تطال قطاع ما بعد الثانوي إلى تغييرات في أساليب تصنيف الطلاب لأغراض المنح والإعانات والمزايا المختلفة.

ومع ما يكتنف البيانات الدولية من صعوبات، فقد واصلت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) العمل على تحسين مناهجها وأساليبها الإحصائية. إذ طوّرت تقنيات متقدمة للتجميع والتقريب بغية تعديل البيانات المقدمة من الدول، كما سخّرت أدواتها الإقناعية لدفع الأعضاء إلى اعتماد صيغ مشتركة في جمع المعلومات وتنسيقها. وقد سجّل الدليل الإحصائي للتربية المقارنة دوليًا الصادر عن المنظمة (OECD 2004) أبرز هذه التحسينات، مبرزًا مسار التطوير المنهجي الذي سعت إليه المنظمة.

يُلاحظ أنّ تقرير "التعليم في لمحة (Education at a Glance)" يعتمد في معظم أقسامه على الدولة باعتبارها وحدة التحليل الرئيسة، غير أنّ بعض الجداول والرسوم البيانية تتجاوز هذا النمط فتُظهر تمايزات داخلية. ففي حالة بلجيكا، يُعرض النظام التعليمي الفلمنكي منفصلًا عن نظيره الناطق بالفرنسية، ويجسّد الشكل مثالًا على هذا الفصل. كما يُفرد التقرير لإنجلترا عرضًا مستقلًا عن اسكتلندا، بينما تُقدَّم الولايات المتحدة باعتبارها وحدة واحدة على الرغم من التنوع الكبير بين ولاياتها الخمسين. وفي المقابل، تضمّن التقرير نفسه (OECD 2013a) جداول ورسومًا أخرى تعاملت مع كل من المملكة المتحدة وبلجيكا كوحدات موحّدة، متجاهلةً ما فيهما من اختلافات داخلية واضحة.

الشكل 1.2: رواتب المعلمين في مرحلة التعليم الثانوي الأدنى، محسوبة بما يعادلها بالدولار الأمريكي بعد تحويلها باستخدام معاملات تعادل القوة الشرائية

embedded image

(1) الرواتب محسوبة بعد 11 سنة من الخبرة، (2) الرواتب الأساسية الفعلية هي المعتمدة، (3) الحساب جرى على أساس المؤهل المعتاد للمعلمين بدلًا من الحد الأدنى للمؤهل، و(4) السنة المرجعية للبيانات هي 2010.

يُظهر الرسم البياني الرواتب السنوية النظامية في عام 2011 للمعلمين في المؤسسات الحكومية ممن لديهم 15 سنة خبرة وأدنى مستوى من التدريب.

المصدر: منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (2013 أ)، ص 378.

كشف الشكل عن ضرورة توحيد العملة لأغراض المقارنة، فلجأت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى اعتماد الدولار الأمريكي، لكن لا استنادًا إلى أسعار الصرف الرسمية، بل إلى تعادل القوة الشرائية الذي يُبرز أنّ قيمة الدولار تختلف في قوتها الشرائية من بلد لآخر. ورغم أن هذا الأسلوب يقوم على دقة تقديرات القوة الشرائية، فإنه يتجاوز التباينات القائمة بين المدن والمناطق داخل الدولة الواحدة، ومع ذلك يظل أكثر موضوعية وملاءمة من الاقتصار على أسعار الصرف الرسمية غير المعدلة.

يُظهر الشكل أهمية خاصة في الطريقة التي رُتبت بها الدول والأنظمة التعليمية، وهو ما تناول تفصيله (هنري وآخرون) (2001، ص 95–96) بالقول:

يفضي توحيد أرضية المقارنة بالضرورة إلى صياغة جداول تصنيفية، حتى مع الادعاءات التي تُقدَّم على سبيل النفي. فالجداول والرسوم البيانية التي تعرض الأداء مقارنة بمتوسط الـ OECD أو متوسط إحدى الدول تحمل في طياتها دلالات معيارية، إذ يكفي أن تظهر النتائج أعلى أو أدنى أو على قدم المساواة مع المتوسط لتستدعي تعليقات سطحية أو ذات دوافع سياسية. ويحدث ذلك على الرغم من كثرة الصفحات المخصصة في الملاحق للتحذيرات المنهجية والتفسيرية التي تؤكد حدود هذه المقارنات.

اتجهت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في بعض منشوراتها إلى توسيع نطاق عملها ليتجاوز حدود الدول الأعضاء، حيث أدرجت ضمن تغطيتها دولًا من خارج المنظمة. ففي تقرير التعليم في لمحة (Education at a Glance) الصادر سنة 2013 (ص 21)، أوضحت المنظمة أنّ التغطية شملت "دولتين غير عضوين لكنهما يشاركان في برنامج مؤشرات نظم التعليم (INES)، هما البرازيل وروسيا الاتحادية، إلى جانب بقية دول مجموعة العشرين التي لا تشارك في البرنامج، وهي الأرجنتين، والصين، والهند، وإندونيسيا، والمملكة العربية السعودية، وجنوب إفريقيا". ومع ذلك، فقد استمر عرض البيانات في معظم الحالات وفق منظور دولة بدولة، دون أن يأخذ بعين الاعتبار التنوع الداخلي الكبير، وهو ما يتجلّى بوضوح في دول مترامية مثل الصين وإندونيسيا وروسيا.

تتكرر الملاحظات نفسها في نشاط تعليمي آخر يتسم بأهمية خاصة، هو برنامج التقييم الدولي للطلبة (PISA)، الذي يُعنى بقياس مستوى إنجاز التلاميذ في سن الخامسة عشرة في ثلاث مجالات رئيسة هي الرياضيات والعلوم والقراءة. ويُنفَّذ هذا التقييم بانتظام كل ثلاث سنوات، بما يسمح برصد الاتجاهات الزمنية ومقارنة الأداء بين الدول. وعند انطلاق البرنامج، شمل المسح 43 دولة ونظامًا تعليميًا، ثم تراجع العدد إلى 41 في دورة عام 2003، لكنه سرعان ما شهد توسعًا ملحوظًا ليبلغ 58 دولة في 2006، و65 في 2009، و67 في 2012.

كما أوضحت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) (2013b، ص 13):

يتبنى تقييم (PISA) مقاربة شمولية تسعى إلى قياس نطاق واسع من المعارف والمهارات والاتجاهات، تعكس بصورة مباشرة التحولات التي طرأت على أولويات المدارس في عالم متغير. ويضع البرنامج في صميم اهتمامه الكفاءات المستقبلية التي سيحتاجها التلاميذ في سن الخامسة عشرة، إذ لا يكتفي برصد ما تعلّموه، بل يركز على ما يستطيعون إنجازه بما اكتسبوه. ويُقاس ذلك من خلال قدرتهم على مواصلة التعلم مدى الحياة، عبر تطبيق معارفهم المدرسية في سياقات غير مدرسية، وتقييم البدائل المتاحة أمامهم، واتخاذ القرارات الملائمة.

أشار التقرير (OECD 2013b، ص 14) إلى أنّ نتائج برنامج (PISA) "تُتيح لصانعي السياسات الوطنية إجراء مقارنات بين أداء نظمهم التعليمية وأداء الدول الأخرى". وقد درج عرض هذه النتائج في كثير من الأحيان بصيغة جداول تصنيفية، لا سيما في الصحف ووسائل الإعلام الساعية إلى تبسيط الرسائل المعقدة وتحويلها إلى خلاصات يسهل تداولها. ورغم أنّ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أكدت مرارًا أنّ التعامل مع البيانات ينبغي أن يتجاوز هذه القراءة التبسيطية القائمة على ترتيب الدول، فإن بعض تقاريرها الرسمية لم تخلُ من إبراز هذا الجانب. ويُعد الجدول مثالًا واضحًا، إذ أعاد نشر أول جدول ورد في الملخص التنفيذي لتقرير المنظمة حول PISA 2009، حيث صُنفت الدول، إلى جانب بعض الوحدات دون الوطنية مثل شنغهاي وهونغ كونغ، وفق مجموع درجاتها، وقورنت هذه الدرجات بعضها ببعض، كما قورنت بمتوسط الـ OECD.

الجدول 1.2: التصنيفات وفقا لنتائج PISA في القراءة والرياضيات والعلوم

القراءة

الرياضيات

العلوم

القراءة

الرياضيات

العلوم

شنغهاي، الصين

556

600

575

جمهورية التشيك

478

493

500

كوريا

539

546

538

جمهورية سلوفاكيا

477

497

490

فنلندا

536

541

554

كرواتيا

476

460

486

هونغ كونغ الصين

533

555

549

إسرائيل

474

447

455

سنغافورة

526

562

542

لوكسمبورغ

472

489

484

كندا

524

527

529

النمسا

470

.496

494

نيوزيلندا

521

519

532

ليتوانيا

468

477

491

اليابان

520

529

539

تركيا

464

445

454

أستراليا

515

514

527

دبي (الإمارات العربية المتحدة)

459

453

466

هولندا

508

526

522

روسيا

459

468

478

بلجيكا

506

515

507

تشيلي

449

421

447

النرويج

503

498

500

صربيا

442

442

443

إستونيا

501

512

528

بلغاريا

429

428

439

سويسرا

501

534

517

أوروغواي

426

427

427

بولندا

500

495

508

المكسيك

425

419

416

آيسلندا

500

507

496

رومانيا

424

427

428

الولايات المتحدة

500

487

502

تايلاند

421

419

425

ليختنشتاين

499

536

520

ترينيداد وتوباغو

416

414

410

السويد

497

494

495

كولومبيا

413

381

402

ألمانيا

497

513

520

البرازيل

412

386

405

جمهورية أيرلندا

496

487

508

مونتينيغرو

408

403

401

فرنسا

496

497

498

الأردن

405

387

415

تايبي الصينية

495

543

520

تونس

404

371

401

الدنمارك

495

503

499

إندونيسيا

402

371

383

المملكة المتحدة

494

492

514

الأرجنتين

398

388

401

المجر

494

490

503

390

405

400

البرتغال

489

487

493

ألبانيا

385

377

391

مكـاو الصينية

487

525

511

قطر

372

368

379

إيطاليا

486

483

489

بنما

371

360

376

لاتفيا

484

482

494

البيرو

370

365

369

سلوفينيا

483

501

512

أذربيجان

362

431

373

اليونان

483

466

470

قيرغيزستان

314

331

330

أسبانيا

481

483

488

ذو دلالة إحصائية أعلى من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية

لا يختلف إحصائيًا عن متوسط منظمة التعاون الاقتصادي

ذو دلالة إحصائية أعلى من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية

ملاحظات: تشير البيانات إلى تقييم PISA لعام 2009. أما الدول المكتوبة بخط عريض فهي الدول الأعضاء في الـ OECD وقت نشر التقرير.

المصدر: منظمة التعاون والتنمية (٢٠١٠).

لا تقتصر دراسات (PISA) على التصنيفات القُطرية، بل تمتد لتشمل تحليل دافعية الطلاب نحو التعلم، وتصوراتهم الذاتية، واستراتيجياتهم التعليمية. كما تتيح مقارنات على أساس النوع الاجتماعي، أو الانتماء الاجتماعي–الاقتصادي، إلى جانب وحدات تحليل أخرى عديدة. وقد أصبح هذا البرنامج مرجعًا مهمًا لصانعي السياسات التعليمية في أنحاء العالم (أنديري 2008؛ بيرييرا وآخرون 2011؛ بريكسبير 2012؛ ماير وبيناڤوت 2013). ففي بعض الحالات أسفرت نتائجه عن صدمات وتغييرات جذرية، وفي أخرى عن شعور بالفخر والرضا. ففي ألمانيا مثلًا، ولّدت النتائج ما سُمّي بـ "صدمة PISA"، إذ كان صانعو السياسات مطمئنين إلى جودة أنظمتهم التعليمية قبل أن يصطدموا بترتيبات متدنية وغير متوقعة (فالدوف 2009). أما فنلندا فقد اجتذبت اهتمامًا عالميًا واسعًا، إذ تدفقت الوفود لفهم كيف ولماذا ظلت نتائجها دائمًا في القمة أو قريبة منها (سيمولا ورينه 2011؛ ڤاريو وآخرون 2013). ومنذ إعلان نتائج PISA لعام 2009، صارت شنغهاي بدورها محط أنظار مماثل (سيلار ولينغارد 2013).

تتجلّى لبرنامج (PISA) حدود واضحة رغم قوته، كما أوضح (ماير وبيناڤوت) (2013، ص 21):

لا يمكن القول إن اعتماد هذا الجهاز على الأرقام والإحصاءات يرسّخه في حقيقة موضوعية وشفافة لا تقبل الطعن؛ ففيض البيانات الذي ينتجه برنامج (PISA) يتيح بسهولة لكل من يبحث عن تبرير أن يجد فيه ما يدعم أفكاره المسبقة. وبدل أن يكون أداة للوضوح، يغدو وسيلة لإخفاء الأساسيات، إذ تُحجب الافتراضات الجوهرية والقرارات المصيرية الخاصة بالتصنيف وبناء المؤشرات داخل "صندوق أسود" تتحكم فيه شبكة معقدة من الأحكام والقرارات التي تُصاغ وراء الكواليس بعيدًا عن الأعين.

قد يجادل أنصار (PISA) عن حق بأنه يشكل خطوة متقدمة مقارنة بالأدوات السابقة، لكن المقارنات الواردة فيه لم تكن دائمًا على مستوى العمق المنهجي الذي كان يمكن أن توفره تقاليد التربية المقارنة. فهذه الأخيرة تُدخل في التحليل أحكامًا نوعية تُولي أهمية للسياق وللخلفيات التاريخية (بيرييرا وآخرون 2011).

الأكاديميون والتربية المقارنة

لا يخصّص هذا القسم مساحة كبيرة لعرض طبيعة عمل الأكاديميين في ميدان التربية المقارنة، إذ تناول الفصل الثاني هذا الموضوع بصورة وافية، كما أن الكتاب في مجمله موجَّه بالدرجة الأولى إلى المجال الأكاديمي. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الأكاديميين، وإن اضطلعوا في كثير من الأحيان بمهام استشارية أو أعمال تطبيقية تجعل مقاصدهم من الدراسات المقارنة شبيهة بمقاصد الممارسين وصانعي السياسات، فإن مجالهم الأصيل يظل مرتبطًا بالبناء المفاهيمي والتنظير العلمي. وقد يتعاون بعضهم مع صانعي السياسات والوكالات الدولية في تحليل المعطيات، لكن الدور الآخر الذي يضطلعون به — كما يتجلى في الانتقادات التي وُجِّهت إلى الوكالات الدولية (سينغ 2011؛ كولينز ووايزمان 2012؛ كليس وآخرون 2012؛ ماير وبيناڤوت 2013) — يتمثل في كشف مواطن الانحياز الأيديولوجي والمنهجي الكامنة وراء تلك المقاربات.

يُنظر في الغالب إلى التربية المقارنة باعتبارها ميدانًا ذا طابع متعدد التخصصات، يتيح الفرصة للباحثين الذين يملكون أدوات ومنظورات مأخوذة من ميادين معرفية أخرى لكنهم يوجّهون اهتمامهم نحو قضايا التعليم في إطار مقارن (مانزون 2011). ومن ثمّ تُطرح أسئلة جوهرية: كيف يمكن تحديد تعريف هذا الميدان؟ وأين تنتهي حدوده؟ وكيف تتبدل ملامحه بمرور الوقت؟

يمكن تعريف ميدان التربية المقارنة بطريقة مباشرة من خلال متابعة عضوية الجمعيات المهنية وأنشطتها. وقد سبقت الإشارة إلى جمعية التربية المقارنة والدولية (CIES) في الولايات المتحدة، التي تضم نحو 2300 عضو فردي ومؤسسي ويعود تاريخها إلى عام 1956، لتكون الأقدم والأكبر في الميدان. وعلى المنوال ذاته ظهرت جمعيات أخرى عبر أنحاء العالم، اتخذ بعضها طابعًا وطنيًا كما في الصين وجمهورية التشيك والهند، فيما اقتصر بعضها الآخر على نطاق دون وطني مثل هونغ كونغ، بينما اتسع بعضها ليكون ذا بعد إقليمي يغطي مناطق مثل أوروبا وآسيا، في حين تأسست جمعيتان على أساس لغوي يخدمان الناطقين بالفرنسية والهولندية. وغالبية هذه الجمعيات تندرج تحت مظلة المجلس العالمي لجمعيات التربية المقارنة (WCCES)، الذي تأسس عام 1970 ليكون هيئة جامعة، وقد بلغ عدد الجمعيات الأعضاء فيه سنة 2013 نحو 39 جمعية (ماسيمن وآخرون 2007؛ WCCES 2013).

لا يقتصر إنتاج المعرفة في التربية المقارنة على الجمعيات المهنية وحدها، بل يُنجز جزء وافر من العمل الأكاديمي في هذا الميدان على أيدي باحثين وأفراد وجماعات لا تجمعهم عضوية بهذه الجمعيات. وكثير من الأكاديميين يفضلون الارتباط بهوياتهم العلمية الأصلية في تخصصات مثل علم النفس أو الرياضيات أو علم الاجتماع، فينشرون أعمالهم ويعرضون نتائجهم في مؤتمرات ومجلات تلك التخصصات بدلًا من مؤتمرات ومجلات التربية المقارنة. ومن هنا يظهر أن نطاق الدراسات المقارنة في التعليم أوسع بكثير من الدائرة التي ترسمها الجمعيات المهنية التي تُعرّف نفسها صراحة بهذا الميدان.

تُبرز دراسة خصائص الأكاديميين الذين يعلنون انتماءهم إلى ميدان التربية المقارنة وتوجهاتهم البحثية إمكانات واسعة لاستخلاص الدروس وفهم طبيعة الميدان. فقد كشف المسح الذي أجراه كوك وآخرون (2004) بين أعضاء جمعية التربية المقارنة والدولية (CIES) عن مجال شديد التنوع والانتقائية، إلى درجة وُصف معها بأنه "بلا مركز واضح" (ص 136). ومع ذلك، رصد الباحثون وجود قاعدة فكرية جامعة تتمحور حول هدف مشترك، هو تحقيق فهم أعمق لتقاليد الأنظمة التعليمية الوطنية عبر دراستها في ضوء خبرات وتجارب الآخرين، وتقييم القضايا التربوية من منظور عالمي (ص 130). وقد أظهر المشاركون في المسح اهتمامًا بموضوعات عديدة، أكثرها شيوعًا: العولمة (7.9%)، النوع الاجتماعي في التعليم (7.6%)، التعليم والتنمية (4.6%)، المساواة في التعليم (4.0%)، والتعددية الثقافية والعرق والإثنية (3.7%)، إلى جانب قائمة طويلة من موضوعات إضافية. وكان التنوع ملموسًا كذلك في المناهج البحثية المستخدمة وفي المجالات الجغرافية التي اتخذها الباحثون موضوعًا لدراساتهم.

عند تجاوز أنماط جمعية التربية المقارنة والدولية (CIES) والنظر في أنماط الجمعيات الأخرى، يتضح أن المشهد يتسم بدرجة أكبر من التنوع، وهو ما يناقشه الفصل الثاني بتفصيل أوفى.

الاستنتاجات

قدّم هذا الفصل لمحة عامة عن تنوع الفاعلين ومقاصدهم داخل الدراسات المقارنة للتربية، حيث يتباين سعي الآباء في أغراضهم ومقارباتهم عن صانعي السياسات، كما تختلف غايات الوكالات الدولية وطرائق عملها عن الأكاديميين. ويُضاف إلى هذه الفوارق البينية أنّ الزمن يكشف عن تحولات متعاقبة تعيد صياغة مقاصد الدراسات المقارنة وأساليبها، بما يجعل المجال في حالة تطور دائم.

يركّز هذا الكتاب بالدرجة الأولى على عمل الأكاديميين، ومن ثم إلى قضايا المفاهيم وبناء الفهم. غير أنّ ثمة ملاحظة عامة تستحق التأكيد، وهي تنطبق على جميع الفاعلين، وتتصل بما ورد في الاقتباس عن (كوك وآخرون 2004، ص 13)، إذ غالبًا ما يكتشف من يخوض غمار الدراسات المقارنة في التربية أنه لا يكتسب معرفة أعمق بثقافات ومجتمعات أخرى وحسب، بل يكتسب أيضًا فهمًا أعمق لمجتمعه وثقافته الخاصة. وقد عبّر عن هذه الفكرة ببلاغة أحد الآباء المؤسسين للتربية المقارنة، (سير مايكل سادلر)، في نصه الصادر عام 1900 (المعاد نشره سنة 1964، ص 310)، إذ كتب يقول:

تتجلى القيمة العملية لدراسة النظم التعليمية الأجنبية حين تُنجَز بروح صادقة وبمنهجية علمية دقيقة، في أنها تُؤهلنا بشكل أفضل لفهم نظمنا التعليمية الخاصة ودراستها بعمق أكبر.

يركّز هذا الاقتباس على فعل النظر إلى الخارج، حيث يتجه الفرد إلى استكشاف مجتمع آخر، ثم يعقد مقارنة بين أنماطه التعليمية وتلك السائدة في مجتمعه الخاص. وقد بيّن (سادلر) (ص 312) أن هذا النوع من المقارنة قد يكون محفّزًا على تقدير أعمق للنظم التعليمية الوطنية، وفي الوقت ذاته كاشفًا لنواحي القصور التي تستدعي الانتباه والإصلاح.

إن دراسة النظم التعليمية الأجنبية بدقة متأنية وبروح متفهمة، وهما شرطان أساسيان لهذه المهمة، تفضي في النهاية إلى أثر مزدوج في وعينا؛ فهي من ناحية تعمّق إدراكنا لقيمة ما في تعليمنا الوطني من عناصر إيجابية إدراكًا لم نبلغه من قبل، ومن ناحية أخرى تكشف لنا بوضوح ما فيه من نواقص تستدعي إصلاحًا عاجلًا وفحصًا دقيقًا.

حالما ينجز المحلّل تحديد المشكلات، فإن الخطوة المنطقية التي تلي ذلك هي الانتقال إلى البحث عن حلول. وفي هذا السياق برز (إسحق كاندل) بوصفه شخصية أساسية في الجيل الذي أعقب (سير مايكل سادلر). ففي كتابه الصادر سنة 1933 (ص xix) عرض قائمة من المشكلات التي رأى أنها تثير أسئلة عامة تتجاوز السياقات المحلية، ثم أوضح أن:

تتمثل القيمة الجوهرية للمقاربة المقارنة لمثل هذه القضايا في السعي إلى تحليل العوامل التي أفضت إلى نشوئها، ثم في إجراء مقارنة تكشف عن الفوارق بين النظم التعليمية المختلفة وما تستند إليه من أسباب عميقة، وأخيرًا في فحص الحلول التي جرى تطبيقها.

يتّسم هذا القول بارتباط أوثق بالأهداف النظرية، وقد كان كتاب (كاندل) نقطة تأسيس لتقليد يندرج فيه هذا المؤلَّف. غير أنّ ميدان التربية المقارنة شهد منذ ذلك الحين تحولات بالغة الأهمية، تجاوزت ما طرحه (كاندل) في زمنه. وستبرز في الفصول التالية بعض أوجه هذا التطور، إضافة إلى وسائل مفيدة لتوسيع الفهم عبر اعتماد وحدات مختلفة للمقارنة.