مقارنة العِرق والطبقة الاجتماعية والنوع الاجتماعي 143
7
يقول (مارك ميسون) في هذا الكتاب (ص 253): "تحقق البحوث المقارنة في التربية أعظم قيمة ممكنة، ولا سيما من زاوية أخلاقية، عندما يحرص الباحثون منذ مرحلة بلورة مشروعاتهم على تحديد المحاور التي تُوزَّع وفقها المنافع التعليمية وغيرها بشكل غير متكافئ، ثم يعملون على تحليل موضوع الدراسة تبعًا لهذه المحاور".
يُعدّ العِرق والطبقة والنوع الاجتماعي من أبرز المحاور المؤثرة في إنتاج أوجه التفاوت التعليمي، إذ تمثل ثلاثة عناصر أساسية تحدد إمكانية وصول الأفراد إلى التعليم ومستوى إنجازهم داخل المجتمعات المختلفة. ومن هذا المنطلق فإن هذه العوامل الثلاثة تستحق في ميدان التربية المقارنة عناية أوفر مما يُخصص لها عادة. غير أنّ دلالات العِرق والطبقة والنوع الاجتماعي وتعريفاتها تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة. ونظرًا لكونها عوامل ذاتية متصلة بالهوية، وهي مفهوم متحوّل، فإنها لا تُدرس غالبًا على أنها قائمة بذاتها، بل يُنظر إليها باعتبارها مترابطة في أثرها على فرص الوصول والمساواة التعليمية. ويهدف هذا الفصل إلى بحث الكيفيات التي يمكن بها دراسة هذه العوامل الثلاثة في إطار بحوث التربية المقارنة.
حين تلتقي جماعات متباعدة جغرافيًا، فإن ملاحظاتها تنصرف في الغالب إلى إبراز الفوارق بينها وبين غيرها. وفي مثل هذه السياقات يشكّل العِرق والإثنية فئتين أساسيتين لفهم تلك الاختلافات، إلى جانب الثقافة التي جرت مناقشتها في هذا المجلد في الفصل الثامن. ويتناول هذا القسم دلالات مفهومي العِرق والإثنية والتحديات التي يطرحانها أمام بحوث التربية المقارنة.
تشكلت التصنيفات العِرقية للجنس البشري في القرن السابع عشر كما ورد عند (كيفاك 2011)، حيث تركز الاهتمام على الفروق الجسدية والعقلية المزعومة بين الجماعات، وربط العِرق بمفهوم النوع الحيوي في إطار ما يُسمى بالعنصرية الجوهرانية، أي الاعتقاد بوجود فروق بيولوجية أساسية ونوعية بين الأعراق المختلفة كما أوضح (كينشلو وستاينبرغ 1997، ص 170). واستمر الأوروبيون الغربيون في القرون من السابع عشر حتى العشرين في اختبار هذه التصورات وتعريفها وإعادة صياغتها. ومع أن أبحاثهم بدت لهم دقيقة وموضوعية، إلا أنها ساعدت في تكريس معاملة غير عادلة للأفراد داخل المجتمعات وفيما بينها، لأن غالبية تصنيفاتهم العِرقية كانت ذات طبيعة هرمية كما أكد (كيفاك 2011). وفي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين برزت "الداروينية الاجتماعية"، التي قدّمت صورة للمجموعات العِرقية وكأنها تتطور معًا على أرضية واحدة، حيث يتقدم "البيض" على المجموعات "السود" و"الحمر" و"الصفر" و"السمر". وأدت هذه العدسات العِرقية إلى أحداث مأساوية في مختلف أنحاء العالم، من قوانين (جيم كرو) وسياسات تحسين النسل في الولايات المتحدة، إلى المحرقة في ألمانيا، ثم الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
تظهر بين الحين والآخر مسألة إعادة إحياء "علم العِرق". ففي عام 2006 مثلًا صادقت إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة على دواء "مخصص للأفارقة الأميركيين"، الأمر الذي عزز الاعتقاد بالعِرق البيولوجي كما أشار (تاكيزاوا 2011، ص 13). غير أنّ الاتجاه الغالب في العلوم الاجتماعية منذ منتصف القرن العشرين هو اعتبار العِرق بناءً اجتماعيًا أكثر من كونه خاصية بيولوجية. وإذا نظرنا إليه من زاوية تاريخية وثقافية مقارنة فسوف يكون من الصعب إنكار أنه بناء اجتماعي، نظرًا لتنوع تعريفاته عبر الأزمنة والمجتمعات. ففي تاريخ الولايات المتحدة المبكر كان يكفي أن يحمل الفرد "قطرة واحدة" من "دم أسود" ليُعتبر "أسود" أو "مُلَوَّنًا". بينما في جنوب إفريقيا أثناء الفصل العنصري كان السواد يُحدَّد حصرًا، وكان وجود "قطرة واحدة" من "دم أبيض" أو أي مظهر "أبيض" يؤدي إلى تصنيف الشخص على أنه "مُلَوَّن" لا "أسود". وفي فترات مبكرة وصف الأوروبيون الآسيويين بأنهم "بيض مثلنا"، ثم صاروا يوصفون بـ"الصفر" فقط بعد أن شاع استعمال التصنيفات العِرقية في أواخر القرن السابع عشر كما أوضح (كيفاك 2011).
في هذا السياق يذهب بعض الباحثين إلى أنّ العِرق لم يعد جديرًا بأن يُعامل باعتباره فئة بحثية رئيسة، ولا سيما في العلوم الاجتماعية، أو أنّ على الباحثين أن يسعوا إلى ما يُسمى "عمى الألوان"، أي تجاهل الفوارق العِرقية عمدًا. وقد عبّر (رافيتش 1990، ص 342) عن هذا الموقف بقوله:
لا يدّعي أي عالم جاد أنّ الأوروبيين والأميركيين البيض جميعًا يندرجون في ثقافة واحدة، أو أنّ الآسيويين على اختلافهم يشكّلون ثقافة واحدة. فالتصنيف الذي يتسم بهذا القدر من التعميم يفتقر في جوهره إلى المعنى وإلى الجدوى.
نظرًا لأن الهوية الفردية متغيّرة وتتأثر بعوامل عديدة تتجاوز العِرق، مثل النوع الاجتماعي والدين بل وحتى الطول والوزن، فإن بعضهم يجد التفكير المرتبط بالعِرق أمرًا غير مرغوب فيه بل ومثيرًا للاشمئزاز. وفي هذا السياق لاحظ (أومي ووينانت 1993، ص 7) أنّ "المحافظين هم الذين يجادلون بأن العِرق وهم"، مع أنّ بعض ممثلي التيار اليساري بدورهم يعترضون على توظيف التفكير العِرقي في الدفاع عن الجماعات أو تمكينها، كما في برامج التمييز الإيجابي للأميركيين الأفارقة، وهو ما أشار إليه (بارخ 2000) و(ماكارثي 2003).
يجادل بعض الباحثين بأنّ العِرق ما زال يحتفظ بفاعلية في تشكيل الفرص الفردية، رغم إدراك طبيعته الاجتماعية البنائية. ويوضح منظّرو العِرق النقدي أنّ العنصرية المؤسسية تشكل حاجزًا يحول دون تحقيق المساواة والعدالة في مختلف المجتمعات، حتى في الحالات التي تكون فيها العنصرية الجوهرانية بين الأفراد نادرة. وهم يقرون بأن للعِرق "أهمية متواصلة ومعنى متغيرًا" في حياة البشر، كما بيّن (أومي ووينانت 1993، ص 7). كما يوجد نوع من التأثير الشبكي، وفق ما سجّله (كينشلو وستاينبرغ 1997، ص 174):
تطوّر معظم المؤسسات ممارسات ثقافية غير رسمية يكتسبها أعضاؤها بالتدريج. وتتنوع هذه الثقافات المؤسسية في أنماط تعبيرها وخصوصيتها باختلاف كل منظمة، غير أنّها تميل في الغالب إلى التمركز حول خبرات البيض وقيمهم. فالمؤسسة "تفكر" وتدير أعمالها بما يعكس الثقافة المهيمنة البيضاء. ويُنظر إلى الأشخاص البيض، بحكم خبراتهم الثقافية، على أنهم أكثر انسجامًا مع هذه الثقافة المؤسسية، مع أنّ قضايا الطبقة والنوع الاجتماعي تؤثر بدورها في تحديد معايير "الملاءمة".
يشير بعض المفكرين إلى ما يسمّى "امتيازات خفية" من الامتيازات التي يتمتع بها من يُحسبون بيضًا في المجتمع، وهي منافع يحصلون عليها لمجرد الانتماء العِرقي رغم وجود مساواة قانونية من حيث الشكل. وقد عدّدت (ماكينتوش 1990) العديد من المواقف اليومية التي نادرًا ما يتعرض لها البيض، مثل التحرش عند التسوق لشراء المجوهرات، أو صعوبة العثور على ضمادات طبية تناسب لون البشرة. وتوضح التجارب الشخصية كما في (هوكس 1994) و(لادسون–بيلينغز 1998)، والدراسات التحليلية للتمثيلات كما في (ماكارثي 2003) و(تاكيزاوا 2011)، فضلًا عن البيانات الإحصائية كما لدى (هاكر 2003)، أنّ العِرق يشكّل أثرًا مباشرًا في تجارب الأفراد وفرصهم منذ لحظة الميلاد. وهو ما يؤدي إلى معاملة غير عادلة في مجالات متعددة من الحياة الاجتماعية، ويؤكد أن العِرق يبقى عاملًا جوهريًا في تكريس عدم المساواة، بالرغم من طبيعته الاجتماعية البنائية والمتغيرة.
في السياقات التي يبدو أنّ العنصرية المؤسسية قد حلّت محل العنصرية الفردية، وصف (ليوناردو 2004، ص 125) العنصرية ما بعد الحداثية بأنها شعور بعدم الارتياح والعجز لدى البيض عن التعامل مع الحدود العِرقية، نظرًا لـ"فهمهم المجزأ للعالم كما هو مكوَّن عِرقيًا". وقد أشار إلى هذا أيضًا (جاكسون 2009).
كما عرضت (فوستر 1999) فكرة "العنصرية المعرفية" في ميدان البحث التربوي، مبينة أنها تنشأ من حقيقة أنّ "العلوم الاجتماعية والسلوكية التي اعتمد عليها البحث التربوي عبر تاريخه كانت متجذّرة في علم النفس، وهو اختصاص قام بقياس الأشخاص الملوّنين والنساء وأفراد الطبقة العاملة بالاحتكام إلى معيار الرجل الأبيض في الطبقة الوسطى" (ص 78–79). ومن وجهة نظرها فإن هذه العنصرية المعرفية ما تزال تثقل كاهل أبحاث العلوم الاجتماعية المعاصرة، وتجعل الباحثين الملوّنين مضطرين دومًا للدفاع عن نهجهم، بينما تؤدي آثار الشبكات والعوامل المساندة لها إلى الحد من وجودهم في الوسط الجامعي بصفة عامة.
في ضوء هذا الإرث التاريخي المليء بالتوتر وبسبب الطابع المثير للجدل لسياسات الهوية، يغدو خطاب العِرق من الموضوعات المحظورة في أماكن معينة. وهو ما سجّله (هولنغر 2005، ص 225–226):
يقرّ أغلب العلماء بأنّ الأعراق لم تعد قائمة بالمعنى القديم الذي اعتُمد طويلاً، حيث اعتُبرت كيانات بيولوجية تمتلك إمكانات متفاوتة جذريًا في الذكاء والسلوك الاجتماعي، وتُستَخدم لتبرير التمييز ضد ما سُمّي بالأعراق الأدنى. وهم يقرّون أيضًا بأنّ عملية "التعرّق"، أي معاملة البشر معاملة مختلفة وفقًا لما يُعتقد أنه دلائل نسبهم، لا تزال ظاهرة واسعة. لكن الجدل قائم: فهناك من يرى أنّه يجوز وصف هذه المجموعات بأنها "عرق"، وهناك من يرى العكس، معتبرًا أن الاستمرار في الحديث عن "أعراق" يُعيد إنتاج كثير من الدلالات العنصرية الموروثة. ومن الأوفق أن يُقال "أشخاص مُعرقَنون"، أو أن يُستخدم مصطلح "المجموعات الإثنية–العِرقية" لتخفيف وطأة المفهوم.
تقترب الإثنية من مفهوم العِرق، مع إقرارها بـ"مكانة التاريخ واللغة والثقافة في بناء الذات والهوية، وكذلك بحقيقة أنّ الخطاب كلّه متموضع ومحدد السياق، وأن المعرفة كلّها مشروطة بسياقاتها" كما ذكر (هول 1995، ص 226). وقد استُخدم مفهوم الإثنية في بلدان مثل الولايات المتحدة، حيث أخفقت الثنائية العِرقية القائمة على الأبيض/الأسود في استيعاب السكان المتزايدين من الآسيويين واللاتينيين أو وصفهم وتصنيفهم بفاعلية.
تتبدل الفئات الإثنية بمرور الوقت مثلها مثل العِرق. ففي الولايات المتحدة مثلًا صار مصطلح "آسيوي أميركي" يُقسَّم تدريجيًا إلى فئات أصغر مثل "شرق آسيوي" و"هندي" و"من سكان جزر المحيط الهادئ". وتشمل بيانات التعداد الأميركية اليوم عناصر العِرق والإثنية والنَّسَب، حيث يُفرَّق مثلًا بين اللاتيني وغير اللاتيني. ويُستعمل تعبير "الأشخاص الملوّنون" لوصف كل من لا يُصنّف أبيض، سواء داخل المجتمع الواحد أو عبر المجتمعات، لكن بعض الباحثين يشيرون إلى أنّ هذا التعبير قد يغفل التحديات الأشد التي عانى منها السود مقارنةً بالجماعات الإثنية الأخرى كما أوضح (هاكر 2003). ويميل (هولنغر 2005، ص 228) إلى استخدام مصطلح "الإثني–العِرقي"، لكونه يشمل جميع المجموعات السكانية المحددة بالنَّسَب مع الاعتراف بأن سماتها يمكن أن تُفهم على أنها إثنية أو عِرقية. بينما يفضّل (ليستينا 2001، ص 425) صياغة "العرقية–الإثنية" (racenicity) للتنبيه إلى التداخل التاريخي بين العِرق والإثنية في الادعاءات غير المثبتة التي ربطت الخصائص البيولوجية بميول نفسية أو فكرية أو اجتماعية.
في مواضع متعددة يُستخدم مفهوم الإثنية بطريقة مشابهة للعِرق بوصفه إطارًا رئيسًا لتصنيف الاختلافات الاجتماعية الداخلية القائمة على النَّسَب الجغرافي أو الثقافي أو اللغوي. وأشار (شيه 2002، ص 13، 24) إلى أنّ الإثنية في الصين تُعرَّف على أساس الدم والدين واللغة والقرب الثقافي من الهان، وتُتيح للمنتمين إليها أن يطوروا استجاباتهم تجاه تحديد هويتهم. وقد تداخلت مفاهيم العِرق والإثنية في سنغافورة كما ذكر (بكر 2009) وفي اليابان كما أوضح (هيراساوا 2009). ويُستحضر مفهوم العِرق في هذه السياقات عند الحديث عن جماعات يُنظر إليها بوصفها غريبة عن المجتمع الوطني، كما في هونغ كونغ حيث يُعتبر "البيض" و"الصينيون" أعراقًا، في حين تُستخدم الفوارق الإثنية أيضًا لتحديد الهوية بين الصينيين الإثنيين. وفي إندونيسيا في فترة الاستعمار الهولندي صُنِّفت الأعراق إلى أوروبيين ومالايو وصينيين، ثم جرى داخل فئة المالايو التمييز بين إثنيات فرعية (كويبرز ويولايلواتي 2009، ص 451). وفي العصر الحاضر يُعرّف الإندونيسيون من أصل صيني أنفسهم باعتبارهم صينيين إثنيًا (كويبرز ويولايلواتي 2009، ص 456).
تواجه البحوث المقارنة في مجال التربية التي تتناول العِرق أو الإثنية صعوبات واضحة. وتنطلق الفقرات التالية من ملاحظات عامة، ثم تنتقل إلى مقارنة الأعراق زمنيًا ومكانيًا.
مقارنة "الأعراق": طوال قرون استُخدمت المقارنات الكمية بين المجموعات العِرقية المختلفة لقياس مستويات الإنجاز ضمن ما عُرف بـ"المعرفة العنصرية"، بهدف تعزيز الفكرة الجوهرانية للعنصرية وترسيخ سيادة البيض. ويشير منظّرو العِرق النقدي إلى أنّ اختبار الاستعداد الدراسي (SAT)، الذي يُستخدم على نطاق واسع في الولايات المتحدة لتحديد مدى جاهزية الطلاب للتعليم الجامعي، بُني في أصله على نماذج من اختبارات الذكاء التي وُضعت "لتكريس الاعتقاد بأن المهاجرين والسود أقل ذكاءً بطبيعتهم الوراثية" (رويثماير 1998، ص 403). وقد كان واضع اختبار (SAT) وهو (كارل بريغهام) يؤمن بوجوب استخدام هذه الاختبارات لتبرير سياسات الحد من الهجرة وضبط الإنجاب وفق الانتماء العِرقي في الولايات المتحدة.
أصدر (هيرنستاين) و(موري) كتاب منحنى الجرس عام 1994، حيث اقترحا مجددًا أنّ الذكاء تحدّده الفوارق العِرقية. وقد وُجّهت إلى هذا الكتاب انتقادات واسعة، كما بيّن (كينشلو وستاينبرغ 1997، ص 185)، لأنه استبعد عوامل أساسية تفسر التفاوت في التحصيل الأكاديمي بين الأعراق، مثل الخلفية العائلية والمستوى الاجتماعي–الاقتصادي وظروف المنزل والتجربة التعليمية:
من أبرز التشويهات في كتاب منحنى الجرس الطريقة التي فسر بها المؤلفان نتائج دراسة التبنّي في مينيسوتا، حيث تبنّت أسر بيضاء مئة طفل ينحدرون من أصول إثنية مختلفة. وعندما بلغ هؤلاء الأطفال السادسة عشرة توصّل (ساندرا سكار) و(ريتشارد واينبرغ) إلى أن معدلات الذكاء لدى الأطفال غير البيض انخفضت في المتوسط 17 نقطة لتستقر عند 89. وبعد دراسة المعطيات رأى (سكار) و(واينبرغ) أن هذا التراجع ناتج عن التحيز والتمييز العِرقي في المدارس. غير أن (هيرنستاين) و(موري) تمسكا بأن نتائج الدراسة لا تشير إلى أثر بيئي كبير على القدرة المعرفية، وأكدا أن الوراثة العِرقية هي التي تحدد تراتبية الذكاء، وأن هذه التراتبية ستزداد بروزًا كلما تقدّم الأطفال في العمر.
على الرغم من أنّ (هيرنستاين) و(موري) واجها انتقادات واسعة بسبب تفسيرهما لهذه النتائج، فإن أثر العوامل الوراثية في مقابل العوامل البيئية على الذكاء ما يزال موضع جدل وخلاف حتى اليوم.
يُستخدم في الأبحاث الكمية تصنيف الفئات العِرقية للمقارنة في مجال التحصيل الدراسي، بهدف كشف العنصرية المؤسسية وتتبع دور العرْقنة في مسألة الإنصاف التعليمي. ومن أبرز محاور المقارنة التوزيع غير العادل للموارد التعليمية بين الجماعات العِرقية. وقد ركزت دراسات عديدة على الفوارق في الإنفاق، سواء من قبل الحكومات أو جهات أخرى، على المدارس التي يغلب على طلابها الانتماء إلى جماعات عِرقية مختلفة، على أساس أن تمويل التعليم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتحصيل الدراسي. وفي دراسة أجراها (ميك وميك 2008) بجنوب إفريقيا تمت مقارنة نصيب الفرد من الإنفاق التعليمي وفق العِرق قبل نظام الفصل العنصري وأثناءه (ص 509، 519). وأظهرت النتائج أنّ الإنفاق على تعليم السود ظل طوال معظم القرن العشرين محدودًا للغاية إذا ما قورن بما خُصص للأقلية البيضاء، رغم الخطاب الرسمي الذي بشّر بالمساواة في الفرص عبر التعليم. وفي السياق الأميركي يؤكد منظّرو العِرق النقدي أن "تمويل المدارس يعكس في جوهره العنصرية المؤسسية والبنيوية"، نظرًا لارتباطه بالضرائب العقارية، في ظل تاريخ طويل من الاضطهاد العِرقي والفصل السكني على أساس العِرق (لادسون–بيلينغز 1998، ص 62).
تقدّم قاعدة بيانات اليونسكو العالمية حول عدم المساواة في التعليم (WIDE) بيانات عن التحصيل الدراسي وفق الانتماء الإثني، فضلًا عن مؤشرات إضافية، في أكثر من ستين بلدًا (اليونسكو 2013). وتتيح هذه القاعدة أيضًا إمكانية استيعاب التداخل بين العوامل المتنوعة، بما في ذلك فحص العلاقة بين الإثنية والثروة والنوع الاجتماعي والموقع الجغرافي. ومن خلال هذه المقارنات يمكن للباحثين وواضعي السياسات أن يفهموا بصورة أعمق أثر الإثنية في تكافؤ الفرص التعليمية وفي مستويات الإنجاز.
إزاء صعوبة فهم التفاعلات بين العوامل في هذا المجال المعقّد، تتجه الدراسات الإثنوغرافية في مقارنة الأعراق إلى التركيز على الظروف السياقية التي تؤثر في الإنصاف التعليمي. وقدّمت دراسة (هيث 1983) مثالًا رائدًا في هذا الاتجاه، إذ تابعت اكتساب الأطفال للغة في المدرسة والمجتمع داخل جماعتين عِرقيتين منفصلتين بالولايات المتحدة، وأظهرت أنّ محدودية الموارد مثل الكتب واختلاف أساليب التواصل في المنازل انعكسا على فعالية المعلمين وعلى تحصيل المتعلمين. وتشير أبحاث إثنوغرافية أخرى إلى أنّ "الاستراتيجيات التعليمية الحالية تفترض وجود قصور لدى الطلاب الأميركيين من أصول أفريقية"، وهو ما يراهم المعلمون البيض غالبًا كمصدر صعوبات (لادسون–بيلينغز 1998، ص 61). ومع ذلك يبقى تحديد بؤرة الاهتمام أمرًا خلافياً، إذ قد تتعرض فكرة الباحث الموضوعي والمحايد للتساؤل. وقد رأت (فيليغاس 1988، ص 253) أنّ التركيز على ممارسات المعلمين يؤدي إلى تهميش قضايا أعمق، مثل التوزيع غير المتكافئ للموارد التعليمية بين الجماعات.
كما أنّ العلاقة بين العِرق والعنصرية من ناحية، والتحصيل الأكاديمي من ناحية أخرى، عند تداخلها مع متغيرات مثل النوع الاجتماعي والانتماء الطبقي، تبقى صعبة الكشف. فقد بيّنت دراسة (لامونتاني 1999) الخاصة بتعليم الأقليات في الصين أنّ الفروق بين الجنسين تتباين بوضوح وفق الأقاليم والإثنيات، الأمر الذي يجعل أثر العِرق في المستوى الفردي أقل وزنًا مقارنةً بأثر النوع الاجتماعي. ولهذا فإن التجارب التعليمية للأفراد قد لا تتقارب بالضرورة داخل الجماعة الواحدة، سواء كانت عِرقية أو إثنية.
المقارنة العِرقية عبر الزمن: ركزت أبحاث عديدة على مقارنة مستويات الإنجاز التعليمي بين الأعراق عبر فترات زمنية، خاصة لقياس أثر البرامج التعليمية التي تستهدف توسيع دائرة المساواة. وتعرض قاعدة WIDE بيانات إثنية لثلاث مراحل زمنية (اليونسكو 2013). غير أنّ الحذر يظل ضروريًا عند إجراء مقارنات واسعة النطاق على مدى الزمن، إذ يمكن أن تختلف التعريفات العِرقية والإثنية حتى في الموقع الواحد. كما أنّ البيانات غالبًا ما تكون محدودة. فعلى سبيل المثال توقفت ولايات أميركية عديدة عن تتبع البيانات العِرقية في التعليم بعد قضية براون ضد مجلس التعليم عام 1954 (بوزر وآخرون 1992). وكما أشار (سويتنغ) في الفصل الخاص بمقارنة الأزمنة في هذا الكتاب، فإن التحليلات التزامنية قد تكشف عن أوضاع قبل/بعد، غير أنّ العلاقات السببية مثل العلاقة بين التدخلات التعليمية ونتائجها قد يكون من الصعب تحديدها.
المقارنة العِرقية عبر البلدان: من المؤكد أن العِرق والإثنية يؤثران في تحقيق العدالة التعليمية حول العالم، غير أنّ إجراء مقارنات بين جماعات الهوية العِرقية أو الإثنية في دول مختلفة يواجه صعوبات كبيرة. فالتعريفات والتقسيمات المتعلقة بالعِرق والإثنية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالظروف التاريخية والديموغرافية لكل مجتمع. وتوفّر قاعدة WIDE بيانات عن الإثنية والتحصيل الدراسي في أكثر من ستين بلدًا (اليونسكو 2013)، لكنها تعرض الجماعات الإثنية وفق التصنيف الوطني، الأمر الذي يمنع إجراء مقارنات دولية مباشرة. ولهذا يمكن الاستفادة من هذه البيانات لفهم عدم المساواة التعليمية المرتبطة بالإثنية عبر البلدان، مع ضرورة مراعاة عوامل موازية مثل الطبقة والنوع الاجتماعي. وهناك دول لا تنشر بيانات رسمية عن العِرق أو الإثنية في التعليم، كما هو الحال في فرنسا حيث لا تُعتبر الإثنية "وسيلة مقبولة لتصنيف السكان" (دير 2008، ص 337). أما تقارير اليونسكو للتعليم للجميع (على سبيل المثال تقرير 2012) فهي لا تعقد مقارنات منتظمة بين الإثنية والعدالة التعليمية عالميًا، لكنها تورد العديد من الأمثلة التي تُبرز دور الإثنية في كل من الدول الغنية والفقيرة.
تشيع في البحث التربوي المقارن تحليلات البيانات التعليمية وفق العِرق أو الإثنية داخل حدود الدولة الواحدة، سواء على مستوى الولايات أو المقاطعات أو المدن أو المناطق التعليمية، إذ تكشف قضايا تُغفل في النهج الوطنية الشاملة. لكن لا يصح افتراض أنّ التركيبة العِرقية أو الإثنية موحدة في كل أنحاء الدولة، أو أنّ الخلفيات التاريخية والبُنى الاقتصادية السياسية متشابهة. لذا يجب الانتباه إلى خصوصيات كل موقع، مع الحرص على مقارنة الجماعات المماثلة لتجنّب التعميم المفرط. ومن الأمثلة على ذلك دراسة أجرتها الحملة الوطنية الأميركية من أجل الحق في التعلّم (2013) قارنت فيها أثر إغلاق المدارس في (شيكاغو) و(نيويورك) و(فيلادلفيا) على الطلاب السود واللاتينيين والبيض، كما درست نسب هؤلاء مقارنة بتمثيلهم في مجمل سكان هذه المدن. وقد أظهرت مثل هذه التحليلات الاتجاهات وأبرزت أوجه التفاوت بين مختلف المواقع.
لا يخلو أي مجتمع من تصور للطبقة أو للوضع الاجتماعي–الاقتصادي (SES)، وهو تصور يعكس تباين صلات الأفراد بالدخل والثروة وبفرص المشاركة السياسية والاقتصادية. ومع ذلك فإن تعريف الطبقة والوضع الاجتماعي–الاقتصادي يتباين بتباين السياقات الزمانية والمكانية، ويتشكل بحسب تركيب المجتمع وحركته الاقتصادية وقيمه. ومع أنّ البحوث التي تربط بين التعليم والطبقة تتنامى اليوم بدافع الالتزام بالعدالة الاجتماعية والسعي للحد من فقر الأطفال وتحقيق المساواة، فإن كون الطبقة بناءً اجتماعيًا يجعل من الصعب اعتمادها مفهومًا موحدًا عبر الأماكن والأزمنة.
تتناول عدة أطر نظرية مسألة الطبقة بالتركيز على طبيعتها. ويأتي في مقدمتها الاقتصاديون وعلماء الاجتماع الذين يفضّلون منظورًا وظيفيًا هرميًا، ويرون الطبقة تعبيرًا عن تفاوت مالي ومهني طبيعي وضروري ناتج عن التقدم والتمايز في المجتمع الرأسمالي. وتذهب هذه النهج تقليديًا إلى أن الذكاء يتوزع بصورة غير متساوية بين الأفراد بشكل طبيعي (مالوت 2009، ص 285). وكان من أبرز المنظرين الذين مثّلوا هذا التوجه (سميث 1776) و(دوركهايم 1893)، وقد اعتبرا أن الرأسمالية المبكرة شهدت تمايزًا مفرطًا وغير متوازن بين طبقات اجتماعية متفاوتة بشدة، لكنهما في الوقت نفسه رأيا أنّ الرأسمالية نتيجة طبيعية للتوزيع المتنوع لرأس المال البشري والموارد المادية. وهذه الرؤية التي تعتبر اللامساواة طبيعية أو نافعة تتجلى اليوم في الأيديولوجيات المحافظة الجديدة، التي تعطي أولوية لتقليل الإنفاق الحكومي على التعليم والخدمات الاجتماعية عوضًا عن فرض ضرائب مرتفعة على الأثرياء (مالوت 2009، ص 288).
يتعارض هذا الإطار التفسيري لمغهوم الطبقة الاجتماعية مع مواقف كثير من الباحثين، لأنه يبدو وكأنه يبرر بقاء اللامساواة الحادة. فالمنظور الماركسي يعرّف الطبقة باعتبارها "علاقة ثنائية بوسائل الإنتاج" (هيل وآخرون 2008، ص 61)، ويقسم النظم الرأسمالية ذات الملكية الخاصة إلى طبقتين: طبقة تملك وسائل الإنتاج من مصانع وتجهيزات ومعرفة وغيرها، وطبقة محرومة من هذه الملكية. وفي هذا السياق يشار إلى أنّ إنشاء مدارس التعليم العام في الولايات المتحدة ارتبط منذ البداية بالحاجة إلى يد عاملة مدرّبة للمصانع. كما أوضح (ألتوسير 1971، ص 132) أنّ النظام التعليمي يعيد إنتاج الطبقات من خلال تلقين العمال الطاعة للأيديولوجيا السائدة، بينما يمنح الطبقة الحاكمة القدرة على التعامل مع هذه الأيديولوجيا وتوجيهها. ومن ثم فإن التخفيف من آثار الرأسمالية على التعليم يُعد شرطًا أساسيًا لتحقيق الإنصاف. ويتجه علماء الاجتماع التربوي المعاصرون ممن يتناولون علاقة الأفراد بالموارد إلى ما يسمى "الماركسية الثانية" أو "النيوماركسية"، حيث يُفهم مفهوم الطبقة ضمنها باعتباره تكوينًا يجمع بين الأبعاد الثقافية والمادية. وفي هذه الرؤية تُعد العلاقة بين الثقافة والموارد المادية الاقتصادية علاقة متشابكة يصعب تحديدها بدقة، لأن القيم التي تُمنح للموارد ومنها المال هي قيم اجتماعية المصدر. ويبين (مايسون) في هذا الكتاب (ص 227) أنّ الثقافة "ليست ثابتة، بل عملية جدلية بين الإنسان وبيئته الاجتماعية"، وهي تتغير بمرور الزمن داخل الجماعات. ونتيجة لذلك قد تُنتج المجتمعات الطبقية المختلفة توجهات وقيمًا خاصة بها. وفي هذا الإطار وصف (بورديو 1968، ص 210) رأس المال الثقافي بأنه "مجموعات" من القيم الجمالية المترابطة بالوضع الاجتماعي، لكنها لا تُدرَّس بشكل مباشر في المدرسة أو في المجتمع. وكتب (كينشلو وستاينبرغ 1997، ص 106) أنّ "الموقع الاقتصادي والمهني داخل البنية الاجتماعية هو أحد عوامل عدة تُسهم في تشكيل الوعي، وفي تحديد نظرة الفرد إلى الآخرين، وعلاقته بالسلطة". فعلى سبيل المثال يُنظر إلى المعلمين في بعض الدول باعتبارهم جزءًا من طبقة أعلى وأكثر مهنية مقارنة بغيرهم في مجتمعات أخرى، وهذا الوضع يؤثر في هويتهم ورؤيتهم للعالم. وانطلاقًا من العلاقة بين الهوية والطبقة، فإن علماء الاجتماع الذين يدرسون الطبقة يركّزون عادة على الطريقة التي يتعامل بها المعلمون مع طلابهم وفق مؤشرات طبقية، الأمر الذي يؤثر بدوره في سلوك الطلاب وتحصيلهم وإحساسهم بالذات.
يسعى بعض الباحثين إلى التمييز بين المؤثرات الثقافية والأيديولوجية من جهة، والعوامل الاقتصادية من جهة أخرى، باستخدام مصطلح "الوضع الاجتماعي–الاقتصادي" بديلًا عن الطبقة. وقد أوضح (جاكوب) و(هولسينغر 2008، ص 14) أنّ الطبقة تُعد سمة مفروضة على الفرد بالميلاد، في حين أنّ الوضع الاجتماعي–الاقتصادي متغير يمكن أن يتغير بتجارب الفرد. ومع ذلك يبقى من العسير تحديد هذا الوضع بدقة. فالوظيفة والمستوى التعليمي والدخل والثروة تُعد من المحددات الأساسية له، غير أنها تتشابك بعلاقات معقدة مع بعضها ومع عوامل أخرى. ويُضاف إلى ذلك أنّ فهم الوضع الاجتماعي–الاقتصادي باعتباره مفهومًا ديناميًا يجعل استخدامه غير ميسّر. ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره (غرينبرغ وآخرون 2009، ص 270): عندما يسعى طلاب من أسر متوسطة الدخل لإتمام دراستهم الجامعية عبر العمل في مطاعم الوجبات السريعة، فإن هذه الأعمال لا تجعلهم تلقائيًا من الطبقة العاملة. إذ قد لا تنتمي مهنة الفرد وتعليمه ودخله وثروته إلى تصنيف واحد محدد.
رأى (سافاج وآخرون 2013، ص 28) أنّ الطبقة يمكن إعادة تصورها في ثلاثة محاور أساسية، تتكون من:
رأس المال الاقتصادي، أي الدخل والثروة،
رأس المال الثقافي (وفق طرح بورديو)، أي الاهتمامات والأنشطة،
رأس المال الاجتماعي، أي تكوين الشبكة الاجتماعية للفرد.
حدّد الباحثون سبع طبقات اجتماعية في المملكة المتحدة باستخدام هذا الإطار التحليلي، من بينها تكوينات اجتماعية جديدة للطبقة العاملة، التي كان يُنظر إليها تقليديًا باعتبارها متجانسة إلى حد كبير، ومستقرة، وذات درجة محدودة من الحركية الاجتماعية.
يُعد النموذج مفيدًا لتفسير البنية الطبقية في المملكة المتحدة، غير أنّ نقله إلى مقارنات دولية يواجه صعوبات كبيرة. إذ يرى (علي) و(دادوش 2012) أنّ تصنيفات الطبقة غالبًا ما تفتقر إلى الجدوى في المقارنة بين الدول، بسبب التباين في السياقات الاجتماعية–الاقتصادية والثقافية، وبسبب التحديات المنهجية في الحصول على بيانات دقيقة. وقد اقترحا اعتبار امتلاك السيارة مقياسًا للانتماء إلى الطبقة الوسطى أو إلى المستويات الأعلى، لأنه "يدل بوضوح على القدرة على شراء سلع كمالية أخرى". ومع ذلك قد لا يكون هذا المؤشر معتمدًا في جميع الحالات. ففي (هونغ كونغ)، على سبيل المثال، تجعل كفاءة النقل العام كثيرًا من الأسر ذات الدخول المرتفعة تستغني عن امتلاك السيارات.
يفسَّر مفهوم الطبقة أو الوضع الاجتماعي–الاقتصادي في مجال البحث التربوي في كثير من الأحيان عبر مفهوم "الخلفية الأسرية"، الذي يشمل تعليم الوالدين وثروتهما ومداخيلهما وأعمالهما، وعدد الأبناء، وغير ذلك من السمات المرتبطة بالأسرة. ونظرًا للتباين الذي قد يظهر بين هذه المؤشرات، فإن تصنيف الأفراد وفقها يثير صعوبات، ولهذا يفضّل بعض الباحثين التربويين فحص واحد أو أكثر من هذه المتغيّرات بصورة مستقلة، كأن تُقارَن مستويات التحصيل الدراسي بدخل الأسرة أو بالخلفية التعليمية لكل من الأب والأم (انظر على سبيل المثال: هونغ وتشينغ 2008). كما يمكن أن يُفهم مفهوم الطبقة من خلال توفر حاسوب منزلي أو الأهلية للحصول على وجبة غداء مدرسية مجانية أو تخفيضات في الرسوم، غير أن هذه المقاييس تظل مقيدة بالسياق الذي تُستخدم فيه.
من بين المقاييس التي طُوِّرت خصيصًا لدراسة الطبقة في البحوث التعليمية يبرز مؤشر الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي (ESCS) ومعامل جيني التعليمي. ويُعد مؤشر ESCS أداة لقياس الوضع الفردي (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 2009، ص 49)، إذ يعتمد على أعلى وضع مهني للوالدين وفق المؤشر الدولي للوضع الاجتماعي–الاقتصادي، وأعلى مستوى تعليمي بلغه الوالدان، إضافة إلى مؤشر الممتلكات المنزلية الذي يستند إلى ما إذا كان الطلاب يمتلكون أشياء محددة في منازلهم:
مكتب للمذاكرة، غرفة خاصة، مكان هادئ للدراسة، حاسوب للاستخدام المدرسي، أي برامج تعليمية، اتصال بالإنترنت، آلة حاسبة شخصية، مؤلفات من الأدب الكلاسيكي، كتب شعرية، أعمال فنية، كتب لمساعدة الدراسة، قاموس، غسالة صحون، مشغّل أقراص DVD أو جهاز فيديو (VCR)، عدد الهواتف المحمولة وأجهزة التلفاز وأجهزة الحاسوب والسيارات والكتب في المنزل.
وقد يكون جمع مثل هذه البيانات أمرًا معقدًا، لأنها تتطلب إجراء مقابلات أو استبيانات، فضلًا عن أنّ التحدي الأكبر يتمثل في تحديد أوزان هذه العناصر عند استخدامها في المقارنات الدولية.
يُشتق معامل جيني التعليمي من معامل جيني التقليدي، الذي يُستخدم على نطاق واسع لقياس توزيع الدخل ورصد أوجه اللامساواة، وقد طوّره عالم الاجتماع (كورادو جيني) في بدايات القرن العشرين (بيرت وبارك 2008). ويُبنى هذا المعامل على صيغة رياضية تتعلق بتوزيع مستويات التحصيل التعليمي ومتوسط سنوات الدراسة داخل مجتمع ما، إضافة إلى نسبة السكان الذين يبلغون مستويات تعليمية معينة وعدد سنوات الدراسة عند كل مستوى تعليمي. وكما في المعامل الأصلي، يمكن الاستفادة من معامل جيني التعليمي في عقد المقارنات بين المجتمعات المختلفة عبر المكان والزمان، إلا أنّه لا يكشف عن مواقع اللامساواة داخل توزيع المتغير الخاضع للقياس (بيرت وبارك 2008، ص 264). ومع أنّ الماركسيين من علماء الاجتماع التربوي يرون أنّ الرأسمالية تولّد لا مساواة في التعليم (انظر: هيل وآخرون 2008؛ مالوت 2009)، فقد أظهر معامل جيني التعليمي ارتباطًا إيجابيًا مع رأس المال/الدخل بين الدول (جاكوب وهولسينغر 2009، ص 10–12).
تتعدد الطرائق التي يمكن استخدامها في دراسة الطبقة ضمن التربية المقارنة، ويختلف اختيارها بحسب السياق ووحدات التحليل وأسئلة البحث المطروحة. وكما ورد في المعالجة السابقة لمسألة العرق، تبدأ الفقرات التالية بمناقشة جوانب عامة، ثم تتوجه إلى مقارنة الطبقات من حيث الزمن ومن حيث المكان.
مقارنة الطبقات الاجتماعية: تتناول دراسات عديدة مسألة الإنصاف التعليمي من منظور الطبقة أو الوضع الاجتماعي–الاقتصادي، وذلك ضمن سياقات وطنية أو إقليمية أو محلية. ويعتمد تفضيل المنهج المستخدم على محور المقارنة، فقد يُلجأ إلى الطرائق الكيفية أو الكمية أو المدمجة. ويركز الباحثون الكيفيون خصوصًا على مسألة إعادة إنتاج الفوارق الاجتماعية من خلال أنماط التفاعل بين المعلمين والطلاب داخل الصفوف الدراسية. ومن الأمثلة أن يقارن الباحث بين أساليب التدريس في مدرسة واحدة عند التعامل مع طلاب من أسر فقيرة وطلاب من الطبقة الوسطى. وقد بينت الدراسات أنّ المعلمين كثيرًا ما يتعاملون مع الطلاب المحرومين اقتصاديًا على نحو "جاف وغير شخصي" (كينشلو وستاينبرغ 1997، ص 128). كما أظهر العمل المبكر لـ(أوكس 1985) حول التتبع في التعليم أنّ الطلاب يتعرضون لتنشئة اجتماعية مختلفة بحسب مساراتهم التعليمية، وهو ما يتماشى مع مخاوف المنظّرين الماركسيين من دور التعليم في إعادة إنتاج الطبقات. ويمكن كذلك تحليل المقررات الدراسية للكشف عن الرسائل الصريحة أو المستترة في الكتب أو الدروس التي ترسم توجهات معينة تجاه عدم المساواة الاجتماعية.
تتيح النهج الكمية مقارنة التحصيل التعليمي مثل عدد سنوات الدراسة أو معدلات التخرج بين طلاب ينتمون إلى مجموعات اجتماعية–اقتصادية مختلفة. وتُمكّن بيانات WIDE من إجراء مقارنات للتحصيل التعليمي بين أفقر 20% وأغنى 20% عبر دول متعددة (اليونسكو 2013)، فيما قارنت منظمة OECD ((2007 بين التحصيل التعليمي ومستويات تعليم الآباء. وتنتج عن هذه الأساليب بيانات تُظهر العلاقة بين الطبقة والعدالة التعليمية. غير أنّ من الصعب تحديد المؤشرات الواجب اعتمادها في مثل هذا النوع من البحوث الكمية، إذ قد تكون العوامل المستخدمة مجرد مؤشرات بديلة لبيانات أكثر تحديدًا وتفسيرًا. ولهذا تُستكمل البحوث الكمية بتحليلات متعددة المستويات أو بدراسات ميتا تضيف إلى البيانات الكمية معطيات نوعية تعزّز قوة الاستنتاجات. وفي دراسة (ماكإنرني 2010) عن هونغ كونغ، وُجد ارتباط بين الوضع الاجتماعي–الاقتصادي والخلفية الأسرية ودخل الأسرة من جهة، والتحصيل التعليمي من جهة أخرى. وقد استعان ببحوث مرتبطة ليُظهر (ص 9) كيف تتجلى العلاقة السببية بين هذه المتغيرات:
يُسهم دخل الأسرة في فتح أبواب المدارس الثانوية الأكثر تكلفة والأعلى جودة أمام الطلاب، كما يُتيح فرصًا أوسع للحصول على دعم تعليمي إضافي عبر الدروس الخصوصية، مما يعزز إمكانات النجاح الأكاديمي. غير أنّ الطلاب المنحدرين من أوضاع اجتماعية–اقتصادية متواضعة قد يواجهون عقبات تتمثل في محدودية المدارس المتاحة أمامهم، وضآلة فرص الاستفادة من التعليم الخصوصي، وضعف متابعة الأهل لأوقات المذاكرة بسبب ساعات العمل الطويلة، فضلًا عن الأعباء المالية التي قد تخلق بيئة منزلية غير مشجعة على التعلم.
مقارنة الطبقة الاجتماعية عبر الزمن: يمكن لبيانات WIDE وغيرها أن توضّح كيف تؤثر العوامل الطبقية في العدالة التعليمية داخل المجتمعات مع تغيّر الزمن. غير أنّ الصعوبة تكمن في فهم كيفية تفاعل المتغيرات الاقتصادية، أو تغيّر قيمة العملة، أو الموارد التعليمية الأخرى مع العوامل الطبقية في مثل هذه المقارنات. فمثلًا، قد يتقلص الفارق في الإنجاز التعليمي بين الشرائح الأفقر والأغنى من السكان (20% لكل منهما)، لكن ذلك لا يشير بالضرورة إلى تحسن عام في مستويات الإنجاز. وأظهرت دراسات في بريطانيا أنّ الطلاب المنحدرين من أسر فقيرة أصبحوا أكثر ميلًا من ذي قبل إلى الالتحاق بالتعليم العالي، غير أنّ "احتمال تحقق ذلك مقارنةً بنظرائهم الميسورين بات أقل" (هيل وآخرون 2008، ص 77). وتبعًا لذلك، فإن السياسات المستندة إلى إحدى هاتين النتيجتين بمعزل عن الأخرى قد تُفضي إلى توجهات مختلفة تمامًا.
من المهم إدراك أنّ تعريفات المصطلحات، مثل "الفقر"، وأنماط تصنيف العوامل قد تتبدل بمرور الزمن. ففي تحليل (بيرت وبارك 2008) لمعامل جيني التعليمي في كوريا عبر أربعة عقود، ظهرت اختلافات واضحة في الفئات المعتمدة للتحصيل الدراسي تبعًا للبيانات المتوافرة، مما يعكس اختلاف المعايير في كل فترة. ففي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كانت الفئات "تخرّج"، "لم يُكمل"، و"لم يلتحق أبدًا"، بينما في التسعينيات جرى التفريق بين "الثانوي العام" و"الثانوي المهني". وفي عام 2000 فُصلت "تخرّج" عن "أكمل"، كما أضيفت فئات تفصيلية مثل "أنهى الماجستير"، "أنهى الدكتوراه"، "انقطع عن الماجستير"، و"انقطع عن الدكتوراه" (ص 264–265). ومن هنا، فإنّ معالجة مثل هذه التغييرات يجب أن تتم بحذر وبما يتلاءم مع أسئلة البحث.
مقارنة الطبقة الاجتماعية بحسب المكان: تركز أبحاث كثيرة على مقارنة معاملات جيني التعليمية أو العلاقات بين التحصيل الدراسي والمؤشرات الطبقية مثل مؤشر الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي (ESCS)، والخلفية العائلية، والثروة، في أكثر من موقع جغرافي. وقد استُخدم معامل جيني التعليمي لقياس التفاوت في التعليم بين الأقاليم داخل البلد الواحد، كما في كوريا (بيرت وبارك 2008)، وعلى المستوى العالمي أيضًا (جاكوب وهولسينغر 2008؛ توماس ووانغ 2009). كما يمكن ربطه بمؤشرات الثروة الوطنية مثل الناتج المحلي الإجمالي (جاكوب وهولسينغر 2009). وتتيح بيانات WIDE إجراء مقارنات بين الشرائح المئوية للثروة عبر مختلف الدول، غير أنّها تعاني أحيانًا من مشكلات تتعلق بضمان دقة البيانات أو بوحدة الفترة الزمنية التي جُمعت فيها. ومثال ذلك تقرير اليونسكو لعام 2010 الذي قارن بين التحصيل الدراسي والثروة في بلدان متعددة، إذ استند إلى بيانات عام 2000 لـ(الغابون) وبيانات عام 2007 لجمهورية الكونغو الديمقراطية (ص 140). ومثل هذه التمثيلات تكشف عن اتجاهات عامة واسعة النطاق أكثر مما تسمح بتفسير مباشر لنتائج السياسات التعليمية أو بإجراء مقارنات دقيقة.
يُخلط في كثير من الأحيان بين الجنس و الجندر (أو النوع الاجتماعي)، على الرغم من أنّ الجنس يُحدَّد بالخصائص البيولوجية للذكورة والأنوثة، في حين يُفهم النوع الاجتماعي على أنه "علاقة متغيرة باستمرار تُبنى من خلال التجربة الحياتية والسياق والشعور بالجسد" (إيرتون 2009، ص 224). وكما هو الشأن بالنسبة للعرق والطبقة، يُعد النوع الاجتماعي بناء اجتماعيًا متحركًا، إذ إنّ معاني الرجولة والأنوثة أو الطفولة الذكورية والأنثوية تختلف تبعًا للسياقات. وتُظهر بعض البيئات، سواء التقليدية أو الحديثة، أشكالًا بديلة من الهوية الجندرية، وهي أشكال تطمس الحدود التقليدية وتتجاوزها بل وتواجه الثنائية السائدة. ومع ذلك، يظل النوع الاجتماعي، إذا ما قورن بالعرق والطبقة، أكثر يسراً من حيث اعتماده في التصنيف البحثي، لأن أغلب الأفراد يدركون أنفسهم ضمن المنظور الثنائي للنوع. وكما يؤكد (إيرتون 2009، ص 223–224)، فإنّ الجنس والنوع الاجتماعي "يتفاعلان بشكل وثيق بوصفهما عنصرين مركزيين في علاقة الفرد بذاته وبالعالم"، ولذلك فإنّ الدراسات التعليمية نادرًا ما "تتوقف لتعريف مصطلحات مثل الجنس والنوع الاجتماعي والصبي والفتاة والذكر والأنثى، باعتبار أنّ معانيها مفهومة تلقائيًا على نطاق عالمي".
تشير نتائج البحوث التاريخية إلى أن المساواة بين الذكور والإناث في التعليم من حيث الالتحاق والتحصيل قد شهدت تحسنًا كبيرًا خلال القرن العشرين، بعد أن تم التخلي إلى حد بعيد عن الفكرة الموروثة عن "دونية" المرأة في القدرات الفكرية، والتي كانت شائعة في عصور سابقة (أيستون 2010؛ جونز 2010). ومع ذلك، ما زالت قضية المساواة الجندرية تحظى باهتمام رسمي واسع من قبل المنظمات الحكومية الدولية، حيث لم يتحقق بعد تكافؤ الفرص التعليمية للفتيات، لا سيما في الدول النامية. ويُعالج بعض الباحثين ومسؤولي السياسات هذه الإشكالية من خلال التركيز على مؤشرات التكافؤ في فرص الوصول. ومثال ذلك أنّ الهدف الثالث من الأهداف الإنمائية للألفية التي أقرتها الأمم المتحدة عام 2000 تمثّل في القضاء على الفجوة الجندرية في التعليم الأساسي والثانوي. كما يطالب الناشطون باعتماد سياسات واضحة تكفل الحقوق التعليمية للفتيات، إذ إن السياسات العامة التي تستهدف الأطفال جميعًا قد تُغفل الاعتبارات الجندرية أو تُعطّل تحقيق المساواة (هاير وآخرون 2008).
تركّز الدراسات المقارنة في مجال تكافؤ فرص التعليم على فحص معدلات الالتحاق أو الحضور المدرسي بين الصبيان والبنات، إلى جانب تحليل ما تنص عليه القوانين والسياسات الوطنية من حقوق تعليمية. وفي إطار البحث الكمي، تستعين تقارير اليونسكو الخاصة بالتعليم للجميع بمقاييس متعددة، وفي مقدمتها مؤشر التكافؤ بين الجنسين (GPI)، الذي يرصد نسب البنين والبنات عبر مختلف مستويات التعليم. ويُعد هذا المؤشر أداة مهمة للمقارنة بين الدول، وكذلك لفهم كيفية تطور التكافؤ بمرور الوقت داخل كل مجتمع. أما التحليلات السياسية النوعية، فتتناول الكيفية التي تعتمدها الدول لضمان الحقوق التعليمية المتساوية للفتيات أو لجميع الأطفال.
غير أنّ دراسة قضايا النوع الاجتماعي في التعليم تكشف أنّ مجرد تحقيق التكافؤ في فرص الالتحاق لا يكفل المساواة من حيث المخرجات أو مستويات الإنجاز. وهو ما أكده (هاير وزملاؤه 2008، ص 133):
تشير معايير الأهداف الإنمائية للألفية المعنية بالمساواة الجندرية في التعليم إلى أنّ المغرب يحقق نتائج إيجابية نسبيًا، إذ تصل نسبة التحاق الفتيات بالتعليم الابتدائي إلى 83%، ويبلغ معدل معرفة القراءة والكتابة بين من تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا نحو 0.79 للإناث مقابل 1 للذكور. ومع ذلك، فرغم تزايد أعداد الفتيات اللواتي يدخلن المدرسة، فإنّ القليل منهن ينجحن في الاستمرار داخل النظام التعليمي.
ولا يضمن إقرار السياسات والحقوق القانونية التي تمنح الفتيات فرصة الالتحاق بالتعليم تخرجهن من المدرسة أو حتى مواظبتهن على الحضور.
يتحوّل اهتمام المنظمات والباحثين شيئًا فشيئًا من مجرد حساب معدلات الالتحاق إلى تقييم ما يحرزه الطلاب والطالبات من إنجازات فعلية، بل إن هذا المنظور يُستعاض به أحيانًا عن مؤشرات الالتحاق عندما يتحقق التكافؤ. وقد نصّت أجندة التعليم للجميع (EFA)، التي أُقرت في (جومتيين – تايلاند) عام 1990 وجُددت في (داكار – السنغال) عام 2000 (اليونسكو 2012ب)، على هدف مكمّل لأهداف الألفية الإنمائية، يتمثل في "إزالة الفجوة الجندرية في التعليم الابتدائي والثانوي بحلول عام 2005، وتحقيق المساواة الجندرية في التعليم بحلول عام 2015، مع إعطاء الأولوية لضمان استفادة الفتيات من تعليم أساسي متكافئ وعالي الجودة وتحقيق نتائج كاملة فيه" (الهدف الخامس للتعليم للجميع).
تتيح البحوث الكمية التي تدرس المساواة في التحصيل إجراء مقارنات بين مستويات التحصيل الدراسي أو معدلات التخرج لدى البنين والبنات، سواء على مستوى مدرسة واحدة أو مدينة أو إقليم أو دولة. وتجمع معظم الدول بيانات عن التحصيل التعليمي بمختلف مراحله وفق النوع الاجتماعي، وقد أجرت دراسات برعاية اليونسكو (2010) ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (2007) والكومنولث (مينيفي وبراي 2012) مقارنات بين معدلات تخرج الذكور والإناث، وغالبًا ما قارنتها أيضًا بمعدلات المواظبة على الدراسة بحسب الدولة أو الإقليم. كما يمكن لمثل هذه الدراسات أن تتناول الإنجاز عبر فترات زمنية مختلفة (جونز 2010).
تُقاس المساواة بين الجنسين في الإنجاز التعليمي عبر البلدان أو الفئات السكانية باستخدام مؤشر المساواة الجندرية (GEI) ومؤشر المساواة الجندرية في التعليم (GEEI). ويُعتبر مؤشر GEI "مؤشرًا مركّبًا يقيس التكافؤ بين الذكور والإناث في التعليم الابتدائي والثانوي، وكذلك في مستويات الإلمام بالقراءة والكتابة لدى الكبار" (أونترهالتر وأومِّن 2008، ص 541). ومن ثم فهو يجمع بين جانب الالتحاق التعليمي والنتائج المترتبة عليه بوصفها قدرة مكتسبة. في المقابل، يتميز مؤشر GEEI، الذي وُضع عام 2006، بشموليته، إذ يقوم على معدل صافي حضور الفتيات في المرحلة الابتدائية، ومعدل استمرارية الدراسة لخمس سنوات في هذه المرحلة، ونسبة صافي القيد في التعليم الثانوي، فضلًا عن مؤشر التنمية الجندرية (أونترهالتر وأومِّن 2008، ص 543).
على الرغم من أنّ مؤشر المساواة الجندرية في التعليم (GEEI) يسمح بتعديل أوزان مدخلاته بحسب السياق البحثي، إلا أنّه وُجّه بانتقاد لافت لقصوره عن قياس معدلات الاستمرار في التعليم الابتدائي، وهي معضلة قائمة في عدد من الدول الإفريقية. كما أنّ مؤشري GEI وGEEI يظلان محدودين في تمثيل أوضاع الفتيات والنساء في البيئات الاجتماعية الأكثر هشاشة، حيث تختلف فرص الالتحاق والتحصيل وفق الطبقة الاجتماعية–الاقتصادية والانتماء العرقي أو الإثني. بل إنّ النوع الاجتماعي نفسه يُعاد بناؤه اجتماعيًا بطرائق متمايزة بين الفوارق العرقية والطبقية داخل المجتمع، بما يؤثر في التعليم بصورة مباشرة (هوكس 1994؛ سيويل 2004؛ كينشيلو وستاينبرغ 2009). ولهذا يُنظر أحيانًا إلى تقسيم الطلاب إلى فتيان وفتيات كمجموعات متجانسة باعتباره نهج غير مفيد، لأنها تغفل التنوع الكبير في تجاربهم التعليمية. ويكتسب نظام WIDE أهمية خاصة هنا، إذ يشمل إتمام المرحلة الابتدائية كمؤشر رئيسي، ويتيح المقارنة وفق الثروة والإثنية والنوع الاجتماعي عبر مختلف البلدان. وفي إطار الهدف الخامس للتعليم للجميع، أعلنت اليونسكو (2013) استنادًا إلى بيانات WIDE أنّ 90% من أفقر الشابات في عشر دول لم يستطعن إنهاء المرحلة الابتدائية.
تُعدّ البحوث النوعية مفيدة أيضًا في مقارنة خبرات المجموعات المختلفة داخل المجتمع، سواء بين البنين والبنات أو بين الفتيات أنفسهن، وفي الكشف عن مدى حصول الفتيات في المجتمعات المتنوعة على تعليم "جيد النوعية" كما نصّت عليه أجندة التعليم للجميع، إلى جانب مجرد وجودهن الجسدي في المدرسة. وتُظهر الدراسات الإثنوغرافية التي تقارن خبرات الطلاب والطالبات في بيئات تعليمية متعددة الكيفية التي تقوم بها المدارس بترسيخ الأدوار الجندرية لدى المتعلمين، تمامًا كما تهيئهم للمشاركة في المجتمع بوجه عام، على نحو يؤثر في ما يتعلمونه وفي المهارات التي يطورونها. فعلى سبيل المثال، يمكن لتسامح المعلّمين مع مشاكسة البنين أكثر مما يفعلون مع البنات أن يعيق تطوير الفتيات لقدراتهن في التواصل الحازم، بينما قد يؤدي التركيز على الثناء على كتاباتهن أكثر من قدراتهن العددية إلى تثبيط انخراطهن في الرياضيات، حتى وإن كانت لديهن الموهبة أو الاهتمام. وقد درس (غوردون وآخرون 2000) الحصص الدراسية وأجروا مقابلات مع المعلّمين والطلاب حول الممارسات المدرسية المتعلقة بالنوع الاجتماعي في لندن وهلسنكي، وكتبوا (ص 193) ما يلي:
بيّنت النتائج أنّ العمليات الجندرية [في المدارس موضوع البحث] سارت في معظمها وفق الأنماط الراسخة التي أكّدتها دراسات سابقة؛ إذ شكّل البنون عادةً مركز اهتمام المعلّمين وملاحظاتهم بدرجة تفوق الفتيات، وتلقى البنون فرصًا أكبر في التفاعل مع المعلّمين مقارنة بالبنات، بالرغم من محاولات المعلمين المقصودة لإرساء معاملة متساوية بين الجنسين.
على غرار الدراسات التي تناولت التعليم والعرق أو الطبقة، تستطيع البحوث الإثنوغرافية أن توضّح كيف يتفاوت تلقّي الأفراد للتعليم بحسب النوع الاجتماعي، وأن تركّز بدقة أكبر على خبرات الطلاب استنادًا إلى النوع والطبقة والأصل العرقي أو الإثني. ومن الأمثلة على ذلك ما قامت به (مورافيفا 2010) من مقارنة أوضاع النساء الروسيات باختلاف أصولهن العرقية والاجتماعية في الجامعات الأوروبية خلال أواخر القرن التاسع عشر، لتبيّن تنوّع التحديات التي اعترضتهن.
تلتفت أبحاث حديثة إلى ما يُعرف بـ "المناهج الخفية" للجندر، أي تلك المعارف والمواقف الضمنية التي يحملها الأطفال والمعلّمون إلى المدرسة من غير وعي، فتنعكس في صورة دروس غير معلنة تشكّل سلوكهم. ففي دراسة عن لعب الأطفال الحر في المدارس الأمريكية، بيّنت (ثورْن 1993) أنّ البنين والبنات كانوا يتبادلون فيما بينهم قواعد السلوك الجندري من دون تدخل الكبار، بل حتى رغم الرسائل المغايرة التي يسعى الأهل والمعلّمون إلى ترسيخها. وقد أثارت هذه النتائج أسئلة حول مدى تأثير الثقافة الشعبية وثقافة الاستهلاك في تشكيل وعي الأطفال بالجندر، خصوصًا في ظل اتساع دائرة التسويق الموجَّه لهم في كثير من المجتمعات (ستون 2000).
تتيح البحوث النوعية كذلك دراسة طبيعة تمثيلات الجندر وصورها في المناهج والمواد المدرسية، مثل الكتب المقررة، سواء في النصوص أو الصور، بوصفها انعكاسًا للمواقف الشائعة والمعارف الضمنية لدى المعلّمين. فعلى سبيل المثال، أعرب محررو الكتب المدرسية في تايوان عن شعورهم بعدم الارتياح إزاء إدراج أدوار غير تقليدية للجنسين ضمن المواد التعليمية (بنغ وهوانغ 2012). وبالمثل، تكاد صور النساء تغيب عن الكتب المدرسية الإيرانية مقارنة بالرجال، وحين تظهر تُقدَّم عادة في مواقع تبعية (خيلتاش وراست 2008). ورغم أن مثل هذه النتائج لا تكشف بالضرورة عن علاقة سببية مباشرة بين التمثيل وعدم المساواة التعليمية، فإنها تضيء الدروس غير الرسمية التي يتلقاها الشباب حول الجندر في سياق دراستهم.
توضح الأدلة أنّ التفاوتات البنيوية تشكل فرص التعليم تبعًا للعرق والإثنية، متأثرةً بالتحيّزات التعليمية والاجتماعية، وبآثار شبكات العلاقات، وبما يُعرف بـ "امتيازات خفية" وغيرها من العوامل. وتؤدي الطبقة الاجتماعية دورًا لا يقل أهمية، إذ تمنح الخلفية الأسرية ومستوى الدخل للشباب مزايا أو حرمانًا متفاوتًا، وهما عنصران حاسمان في تحقيق التحصيل التعليمي في شتى المجتمعات. كما أن النوع الاجتماعي يوجّه التوقعات التعليمية في المجتمعات المختلفة، سواء من خلال إقصاء الفتيات عن فرص التعليم، أو عبر تنشئة الذكور والإناث بطرق متباينة، أو عبر تشكيل مسارات تحصيل النساء والرجال على حد سواء.
ناقشنا في هذا الموضع العرق والطبقة والنوع الاجتماعي على نحو منفصل في الغالب، لبيان الصعوبات التي تنشأ عند التركيز على أي عنصر منها بمفرده. غير أنّ (كينشيلو وستاينبرغ 2009، ص 6) يؤكدان أنّ "المربّين مطالبون بفهم ديناميات العرق والطبقة والنوع الاجتماعي، كما هم مطالبون بفهم الكيفية التي تفضي بها تقاطعات هذه الفئات في الواقع الحي إلى توترات وتناقضات وانقطاعات في الحياة اليومية". وتظل أهمية العرق والطبقة والنوع الاجتماعي رهينة بالسياق الاجتماعي، تمامًا كما تتوقف عليه طرائق تأثير كل منها في الآخر.
لا يمكن فهم أوجه عدم المساواة التعليمية ومعالجتها إلا من خلال النظر في طبيعة التفاعل بين العرق والطبقة والنوع الاجتماعي داخل سياقات محددة. فبرامج "التمييز الإيجابي" في الولايات المتحدة، التي هدفت إلى تقليص فجوة القبول الجامعي بين الأمريكيين الأفارقة وغيرهم، كثيرًا ما وُصفت بالفشل (جاكسون 2008)، إذ ذهب معظم نفعها إلى الشرائح الميسورة. صحيح أنّ بعض الفئات الفقيرة من الأمريكيين الأفارقة استطاعت بفضل هذه البرامج دخول الجامعات، لكن عددًا ملحوظًا منهم لم يفلح في نيل شهاداته بسبب قصور في الاستعداد الأكاديمي أو نقص في الوسائل التي تضمن استمرار النجاح، وهذه بدورها مظاهر للفوارق الطبقية أكثر منها مظاهر للفوارق العرقية. لذا، فإن إغفال العلاقة بين العرق والطبقة يقلل من فرص نجاح تلك البرامج.
على غرار ذلك، قد تُفضي البحوث التي تتمحور حول النوع الاجتماعي إلى حجب العوامل الجوهرية المرتبطة بالعرق والطبقة، والتي تظل مؤثرة في فرص الفتيات التعليمية. وفي هذا السياق المركّب، تبرز الحاجة إلى طرح تساؤلات حول ما إذا كانت النتائج المتعلقة بالنوع الاجتماعي تكشف بالفعل أهمية العرق والطبقة أم تُغطي عليها، بحيث تتجاوز القراءة السطحية وتفضي إلى رؤى أكثر نفعًا. وينبّه (فيربراذر، ص 77) إلى أنّ "الواجب يقتضي وعيًا دائمًا بالتحيّزات الشخصية ومساءلة الافتراضات الذاتية أثناء محاولة فهم الافتراضات التي تحكم المجتمعات والثقافات قيد البحث". وغالبًا ما تلاحظ النساء ذوات البشرة الملوّنة أنّ النساء البيض يتناولن قضايا الجندر بطريقة تُقصي تجاربهن (هوكس 1994). وهذا بدوره يسلّط الضوء على مدى تداخل المتغيرات وتشابكها.
خلاصة القول إنّ العرق والطبقة والنوع الاجتماعي تمثّل ثلاث فئات اجتماعية محورية تقف وراء أوجه عدم المساواة التعليمية عبر مناطق العالم المختلفة، غير أنّ تفاعلها المعقد، ودلالاتها المتغيرة، وطابعها البنيوي تجعل من الصعب توظيفها بفاعلية في دراسات التربية المقارنة. فكلٌّ من العرق والطبقة يصعب تصنيفهما، ومن ثم يصعب تحليل أثرهما بصورة دقيقة في سياقات اجتماعية متباينة، أما النوع الاجتماعي فرغم سهولة مقارنته نسبيًا، فإن دلالاته تتحدد بطرق مختلفة في ضوء العرق والطبقة وغيرها من الفوارق داخل المجتمعات. وهذا يعني أنّ "النساء" لا يمكن النظر إليهن كمجموعة متجانسة حتى داخل المدرسة أو المجتمع الواحد. فضلًا عن ذلك، فإن العرق والطبقة والنوع الاجتماعي قد يؤثر كل منها في الآخر بطرائق تعيق التعميم، وتطرح عقبات إضافية أمام الباحثين الساعين إلى الإجابة عن أسئلة واسعة النطاق أو عالمية تتصل بالعدالة التعليمية.
استهلّ الفصل بكلمات (مايسون) التي شدّد فيها على أنّ "البحث التربوي المقارن يقدم أرفع ثماره، أخلاقيًا على الأقل، حين يحرص الباحثون منذ بداية صياغة مشروعاتهم على تحديد المحاور التي يجري على ضوئها توزيع السلع التعليمية وغيرها بصورة غير متكافئة، والعمل على تفكيك موضوع الدراسة وفق تلك المحاور". ويواجه البحث المقارن في قضايا العرق والطبقة والنوع الاجتماعي (إلى جانب سمات الهوية الشخصية الأخرى مثل القدرة والدين واللغة) مهمة صعبة، تتمثل في مقارنة الفئات داخل مدارس ومجتمعات غالبًا ما تتسم بالتنوع، من دون افتراض أنّ هذه الفئات تمثل جماعات اجتماعية متجانسة (كأن يُنظر إلى "البنين" و"البنات" بوصفهم كتلتين موحّدتين). وبالنظر إلى رؤية (مايسون، ص 253) للتربية المقارنة باعتبارها "علمًا اجتماعيًا نقديًا يحمل مشروعًا تحرريًا محوره تحليل توزيع القوة وامتيازاتها"، فإنّ على الباحثين المقارنين أن يطرحوا باستمرار أسئلة حول دلالات العرق والطبقة والنوع الاجتماعي وأهميتها، بوصفها عوامل مستقلة ومتداخلة في آن واحد، تشكّل فرص الأفراد التعليمية ومكتسباتهم. كما ينبغي أن تنصب المقارنة على السياقات إلى جانب الفئات الاجتماعية، بغية إبراز الدور الفعلي لهذه العوامل بدلًا من حجب أثرها.