مقارنة القيم 195
9
أبرز (كمنغز) وزملاؤه في أواخر ثمانينيات القرن العشرين نهضة جديدة في الاهتمام بالتربية القيمية على مستوى العالم، وقد تضمّن كتابهم المعنون إحياء تعليم القيم في آسيا والغرب (كمنغز وآخرون 1988، ص 3) معلومات وافرة توضّح كيف تغلغل تعليم القيم في المناهج الدراسية في تسعين دولة، واستمر حضور تعليم القيم في التنامي، الأمر الذي أسفر عن صدور كتاب آخر بعنوان تعليم القيم للمجتمعات المتحوّلة حرّره (كمنغز) ومجموعة أخرى من زملائه (كمنغز وآخرون 2001أ)، حيث عرض الكتاب دراسة حول تعليم القيم في عشرين سياقًا في حوض المحيط الهادئ، مبرزًا بطرق شتى أنّ تعليم القيم ظلّ يمثل محورًا أساسيًا لاهتمام القادة التربويين، كما أسهم الإنتاج العلمي الآسيوي في هذا المجال من خلال ثلاثية عن التربية المدنية في آسيا والمحيط الهادئ (لي وآخرون 2004؛ غروسمان وآخرون 2008؛ كينيدي وآخرون 2010).
أولى المربّون والباحثون القيم أهمية بارزة، غير أنّ هذا المفهوم يتّسم باتساعه وغموض حدوده، إذ يشبه في طبيعته الفلسفة التي تتسرّب إلى معظم مجالات المعرفة وتلقي بظلالها على مختلف الدراسات، فتغدو مناقشة القيم حاضرة في شتى التخصصات. ويكاد يكون ضبط التعريفات المرتبطة بالقيم أمرًا متعذرًا، لأنها تمتد من المستوى الفردي إلى المستوى الجمعي وتشمل أنماطًا متباينة من المعرفة، مثل تحقيق الذات، والصدق، والخير، والفرادة، والعدالة، والكمال، والمعنى (هيفرون 1997، ص 17).
رأى بعض الباحثين أنّ النظر إلى القيم من المنظور الفردي يقود إلى اعتبار التربية القيمية ممارسة تربوية تهدف قبل كل شيء إلى تنمية الأخلاق وصياغة الشخصية وبنائها على أسس متينة من الاستقامة والسلوك القويم (نوتشي 1989). وفي المقابل، اتجه باحثون آخرون إلى دراسة القيم من زاوية جماعية، فجعلوا اهتمامهم ينصب على القيم الاجتماعية والقيم الثقافية والقيم السياسية، وعلى ما يتصل بها من مبادئ المواطنة وأنساق المعتقدات الجامعة مثل الأديان والأنظمة الفكرية والأيديولوجيات التي تؤطر حياة الجماعات وتوجّهها (تشنغ 1997؛ لي 1997؛ بيك 1998). وهناك فريق ثالث من الدارسين اختار أن يتناول القيم من زاوية معرفية، فانشغل بدراسة طبيعة ما يُسمّى بعوالم القيم، تلك التي تتفرّع إلى مجالات شتى منها النفسي والاقتصادي والأخلاقي والجمالي والشعري والأدبي والتقني والقانوني (برسنو وبرسنو 1980)، أي أنّ القيم هنا لا تُفهم باعتبارها مبادئ سلوكية وحسب، بل أيضًا بوصفها أشكالًا من المعرفة تنعكس في ميادين متباينة. ومع ذلك فإن اتساع مفهوم القيم وتشعّب دلالاته يجعل من الصعب على أي مؤلف أن يحصر النقاش في إطار واحد أو أن يقصره على زاوية بعينها، لأن تناول القيم في بعدها الجماعي يستلزم بالضرورة وضع اختيارات الأفراد وميولهم موضع اعتبار، مثلما أنّ الحديث عن القيم في بعدها الفردي لا ينفكّ عن المجتمع الكلي الذي يحتضن الأفراد ويوجّه سلوكهم. وحتى حين يُصار إلى مقاربة القيم من منظور العوالم المعرفية، فإنها تظل بطريقة أو بأخرى مرتبطة بعامل الزمن وبما يطرأ عبره من اختلافات، كما تبقى وثيقة الصلة بتفضيلات الأفراد والجماعات على السواء. وهذا التداخل بين الأبعاد الفردية والجماعية والمعرفية أبرزته بجلاء دراسة (غاردنر وآخرون 2000) في كتابهم التربية على القيم: الأخلاق والمواطنة في التعليم المعاصر، حيث جرى التركيز فيه على الطابع المترابط للقيم وكيفية حضورها في التربية الحديثة بصورها المختلفة.
يعرض هذا الفصل دراسات للقيم جرى تصميمها لتكون دراسات مقارنة، إذ حلّلت القيم في أنظمة اجتماعية وسياسية متنوّعة. وقد أطلق الباحثون على هذه الأنظمة أسماء مختلفة مثل مجتمعات أو أمم أو دول بحسب نطاق تركيزهم. كما يستعرض الفصل مناقشات حول المناهج والمقاربات المقارنة في دراسة القيم. وتتناول الحالات المختارة أساسًا قضايا المواطنة وما يتصل بها من موضوعات مدنية، مظهرة تباينات من النمط التصنيفي. وقد توزعت الحالات الإحدى عشرة المختارة على أربع فئات: ارتبطت الفئة (أ) بحجم الإطار البحثي ومداه وتعقيده، وشملت الفئة (ب) تحليلات طولية لكتب مدرسية، وتركزت الفئة (ج) على دراسات حول تقاطعات القيم واختلافاتها، أما الفئة (د) فمثّلت مقارنات أُجريت في نطاق الدراسات النوعية.
أجريت دراسة التربية المدنية والمواطنة الدولية (ICCS) سنة 2009 باعتبارها أكبر وأوسع دراسة دولية تناولت موضوع التربية المدنية والمواطنة، وذلك تحت إشراف الرابطة الدولية لتقويم التحصيل الدراسي (IEA). وتمثّل هذه الدراسة الحلقة الثالثة في سلسلة الدراسات التي اضطلعت بها الرابطة في هذا المجال، إذ أُنجزت الدراسة الأولى سنة 1971 وشاركت فيها تسع دول، بينما أُجريت الثانية سنة 1999 بمشاركة 28 دولة (تورني–بيرتا وآخرون 2001). وقد امتدّ نطاق دراسة ICCS ليشمل أكثر من 140,000 طالب في الصف الثامن و62,000 معلّم من 5,300 مدرسة عبر 38 دولة، توزعت على خمس دول في آسيا، و26 دولة في أوروبا، وست دول في أميركا اللاتينية، ودولة واحدة في أستراليا. ولم تقتصر البيانات على استبيانات الطلاب والمعلمين، بل عُزّزت أيضًا ببيانات سياقية جُمعت من مديري المدارس ومن المراكز الوطنية للبحوث في الدول المعنية.
سعت دراسة التربية المدنية والمواطنة الدولية (ICCS) (إينلي وآخرون 2013) إلى تحقيق مجموعة من الأهداف البحثية، تمثّلت في:
* فحص الطرائق التي تعمد إليها الدول في إعداد شبابها وتأهيلهم ليضطلعوا بمسؤوليات المواطنة وأدوارها في حياتهم العامة.
* قياس معارف الطلاب وفهمهم لأسس التربية المدنية والمواطنة، ورصد اتجاهاتهم ومواقفهم وانطباعاتهم وأنشطتهم المرتبطة بهذا المجال التربوي.
* تحليل أوجه الاختلاف بين الدول في نتائج التربية المدنية والمواطنة، وتفسير كيفية ارتباط تلك الاختلافات بخصائص الطلاب، وبالأوضاع المدرسية والمجتمعية، وبالسمات الوطنية العامة التي تميز كل دولة.
ارتكزت الدراسة على ستة أسئلة بحثية مترابطة سعت إلى الإحاطة بمجموعة واسعة من القضايا المتصلة بالتربية المدنية والمواطنة؛ إذ تناول السؤال الأول التباينات القائمة في المعرفة المدنية بين الطلاب، وركز الثاني على التغيرات التي طرأت على المعرفة بالمحتوى منذ دراسة 1999، في حين بحث الثالث في مدى اهتمام الطلاب واستعدادهم الذاتي للانخراط في الشأن العام والحياة السياسية، واهتم الرابع بكشف التصورات المختلفة إزاء التهديدات التي قد تعترض المجتمع المدني، أما الخامس فقد انصرف إلى تحليل السمات المميّزة لأنظمة التعليم والمدارس والفصول الدراسية ذات الصلة بالتربية المدنية والمواطنة، في حين خصص السادس لدراسة الخلفيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للطلاب ومدى ارتباطها بالنتائج المتحققة في مجال التربية المدنية والمواطنة (شولتس وآخرون 2011، ص 15). ومن أجل تحويل هذه التساؤلات النظرية إلى أدوات قابلة للقياس والتحليل، وضع فريق ICCS إطارًا تحليليًا للتربية المدنية والمواطنة استند إلى ثلاثة أبعاد رئيسية هي: البعد المتعلق بالمحتوى، والبعد الوجداني–السلوكي، والبعد المعرفي. ثم جرى تحليل كل بُعد منها وفق مجالات محددة: فقد احتوى بُعد المحتوى على أربعة مجالات رئيسة هي المجتمع المدني والنظم، والمبادئ المدنية، والمشاركة المدنية، والهويات المدنية، بينما شمل البُعد الوجداني–السلوكي عناصر متنوّعة كالمعتقدات القيمية والمواقف والنيات السلوكية والسلوكيات الفعلية، أما البُعد المعرفي فاقتصر على مجالين اثنين هما المعرفة، والاستدلال والتحليل (شولتس وآخرون 2011).
احتوى الاختبار المعرفي على ثمانين بندًا شملت أسئلة لقياس مستوى المعرفة المدنية والمواطنة لدى الطلاب، فضلًا عن تقصّي قدراتهم على التحليل العقلي والاستدلال المنطقي وتطبيق المفاهيم على المواقف المختلفة. وإلى جانب هذا المكوّن، أُنجز استبيان دولي مستقل موجَّه للطلاب جُمعت من خلاله بيانات واسعة النطاق حول تصوراتهم للتربية المدنية والمواطنة، إلى جانب معلومات تفصيلية عن خلفياتهم الاجتماعية والثقافية والتعليمية. كما صُمّمت أدوات إقليمية متخصصة للتعامل مع قضايا محدّدة تتعلق بالتربية المدنية والمواطنة في سياقات جغرافية وسياسية بعينها شملت آسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية. ولم يقتصر الأمر على الطلاب فحسب، بل طُلب من المعلمين أيضًا إكمال استبيان موسّع يوضح تصوراتهم عن حضور التربية المدنية والمواطنة في مدارسهم، بينما كُلّف مديرو المدارس باستبيان آخر يرصد الخصائص المؤسسية للمدرسة ويبيّن كيف تُدرج التربية المدنية والمواطنة في بنيتها التعليمية. وفي مستوى أعلى، أجرى المنسقون الوطنيون للبحث مسحًا عبر الإنترنت بمشاركة خبراء وطنيين جمعوا من خلاله بيانات تفصيلية عن هيكلة النظام التعليمي الوطني وعن المكانة الممنوحة للتربية المدنية والمواطنة ضمن المناهج الدراسية الرسمية. وقد جرى توثيق هذه المعطيات السياقية ونشرها لاحقًا في موسوعة ICCS 2009 (أينلي وآخرون 2013).
أُديرت هذه الدراسة في إطار ائتلاف بحثي جمع بين ثلاث مؤسسات شريكة بارزة هي: المجلس الأسترالي للبحوث التربوية (ACER)، والمؤسسة الوطنية للبحوث التربوية (NFER) في المملكة المتحدة، ومختبر التربية التجريبية (LPS) التابع لجامعة روما تري في إيطاليا. وقد عملت هذه الجهات في شراكة وثيقة مع أمانة الرابطة الدولية لتقويم التحصيل الدراسي (IEA)، ومع مركز معالجة البيانات والبحوث التابع للرابطة، إضافةً إلى شبكة المنسقين الوطنيين للبحث الذين مثّلوا 38 دولة مشاركة.
لم تتمكّن إلا قلة من المشاريع المقارنة من بلوغ حجم الدراسة التي أجرتها الرابطة الدولية لتقويم التحصيل الدراسي (IEA)، غير أنّ نهج هذه الرابطة لم يلقَ إجماعًا بين الباحثين. فقد تعرّضت دراساتها لانتقادات تتعلق بتبسيطها النسبي في تفسير بيانات معقدة جُمعت من عدد كبير من الدول التي تتفاوت تفاوتًا واسعًا في ثقافاتها ومجتمعاتها وأوضاعها الاقتصادية والسياسية، كما وُجّهت إليها تساؤلات بسبب انتقائيتها في اختيار القضايا والدول موضع التحليل. وأوضح (بوك–بيرجه 2006، ص 543) في تعليقه على دراسات التربية المدنية في بلدان ما بعد الشيوعية أنّ هذه الدراسات استبعدت الدول التي "لا تنطبق بدقة على القالب الذي وضعته الرابطة"، وأن بعض الحالات القطرية لم تكن سوى "انعكاسات لآراء الخبراء أكثر من كونها تمثيلًا مباشرًا للبيانات".
ينطلق أحد النهج البحثية المتطرفة من مبدأ استخدام أداة بحثية بالغة التبسيط، وذلك بغية الحد إلى أقصى درجة ممكنة من التباينات في تفسير البيانات القادمة من الدول المشاركة. وقد تعمّد (لي وفاوتس 2005، ص 11–12) إبراز هذه المسألة في دراستهما التي تناولت تصوّرات المعلّمين لمفهوم المواطنة الصالحة في خمس دول هي الولايات المتحدة وإنجلترا وأستراليا وروسيا والصين، والتي جرت في الفترة الممتدة ما بين 1995 و1999، مؤكدَين أن البساطة المتناهية في الأداة البحثية قد تضمن قدراً أعلى من الاتساق في تفسير النتائج عبر السياقات المتباينة.
يواجه هذا النمط من الدراسات تحدّيين مترابطين بصورة وثيقة: أولهما القيود المفاهيمية، وثانيهما إشكالات القياس. وقد عبّر (توماس 1990) عن صعوبة القيود المفاهيمية بوضوح حين أشار إلى أنّ "العديد من المفاهيم التربوية [وغيرها] لا تحمل معاني متكافئة عبر المجموعات الاجتماعية أو الثقافية، بل ولا حتى عبر الدول المختلفة." ويُظهر هذا الواقع الأساس الذي يقوم عليه مشروع "المواطنة الصالحة"، بما ينطوي عليه من اختلافات دلالية تجعل المفهوم متعدّد الوجوه بحسب الفئات والبيئات. أما على المستوى الأكثر تحديدًا، فإن التحدّي يتمثل في ضمان أن يكون النقاش منصبًا على القضية ذاتها، لا على تباينات في التأويل، سواء عند الحديث عن "المواطنة الصالحة" نفسها أو عند استخدام مفاهيم موازية لتعريفها مثل التربية الأخلاقية أو الوطنية.
جاء اختيارنا للأدوات البحثية وأسئلة المقابلة في هذه الدراسة محكومًا بوعي مسبق بأنّ زيادة درجة تعقيد الأدوات والإجراءات البحثية يُضاعف من احتمالية وقوع مشكلات في الترجمة ويؤثر سلبًا في إمكانية إجراء مقارنات دقيقة بين الدول. ومن هذا المنطلق تعمّدنا أن نصوغ الاستبيانات وأسئلة المقابلة بأبسط صورة وأكثرها وضوحًا، بحيث تقل احتمالات سوء الفهم أو ضياع المعنى عند الترجمة. ولا ندّعي أنّ هذه الأدوات والأسئلة بلغت درجة المثالية أو مستوى التفصيل الذي يُعتمد عادة في دراسات تنحصر في دولة واحدة، غير أننا نعتقد أنّها كافية إلى حد معقول لتحقيق مقاصدنا البحثية، وإن كانت تفرض بعض الحدود، كما أنّها تتيح إمكان ترجمتها بصورة تضمن إجراء مقارنات صالحة وعابرة للدول.
في تباين حاد مع الدراسة الواسعة التي أجرتها الرابطة الدولية لتقويم التحصيل الدراسي (IEA)، اعتمدت دراسة الدول الخمس على استبيان موجز لا يتجاوز صفحتين، وُزّع على عينة ميسّرة من نحو 500 معلّم في كل مدينة من مدن الدول المشاركة، مع استكماله بمقابلات متابعة مع عدد من المعلّمين. ولم تسعَ الدراسة إلى بناء مخطّط معقّد ذي أبعاد متعدّدة للمفاهيم، بل حُدّدت محاورها في أربع قضايا أساسية: (1) الخصائص التي تحدّد المواطن الصالح، (2) العوامل المؤثرة في تشكيل مواطنة الفرد، (3) التهديدات التي قد يتعرّض لها الطفل في اكتساب مواطنته، (4) الأنشطة الصفّية الكفيلة بتنمية مواطنة الطفل. وقد جرى انتقاء هذه الأسئلة من مجموعة أكبر من الأسئلة التي استُبعد كثير منها أثناء مرحلتي التجريب المبدئي والاختبار الميداني. وبرغم بساطتها، فقد وُسّعت هذه المجموعة من الأسئلة عبر مقابلات نوعية متابعة. وكانت البداية بفريق الولايات المتحدة الذي باشر التجربة، ثم جرى تقنين خبرته وتعميمها على باقي الدول المشاركة لتُعتمد مرجعًا يقترب منها الجميع بقدر الإمكان، حرصًا على تعزيز المقارنة بين السياقات الوطنية.
بينما جرت العادة أن تُنفَّذ الدراسات المقارنة للقيم عبر فرق من الباحثين، فقد اختارت (هان 1998) أن تُنجز بمفردها دراسة مقارنة تناولت التنشئة السياسية في كلّ من إنجلترا والدنمارك وألمانيا وهولندا والولايات المتحدة الأمريكية. وقد برز تميّز كتابها التحوّل إلى الفعل السياسي في لجوئها إلى استخدام ضمير المتكلّم المفرد، وهو ما يُعد خروجًا ملحوظًا عن القاعدة المتبعة في الكتابات الأكاديمية. وقد شرحت (هان 1998، ص 1–5) هذا التوجّه بقولها:
وجدتُ نفسي أمام تحدٍ منهجي دقيق تمثّل في ضرورة تحديد عينة تمثيلية من المراهقين في خمس دول مختلفة، فبادرتُ إلى استثمار العلاقات الأكاديمية التي نسجتُها عبر مشاركاتي في مؤتمرات دولية تناولت موضوعات الدراسات الاجتماعية والمواطنة والتعليم العالمي، متواصلًا مع باحثين ومعنيّين سعيت من خلالهم إلى الوصول إلى صفوف دراسية مناسبة. وقد أتيح لي أن أجمع بيانات من فئات عمرية تراوحت بين الخامسة عشرة والتاسعة عشرة سنة، ضمن مدارس ثانوية متنوعة الطابع تعكس تباين الأنظمة التعليمية والسياقات الاجتماعية في البلدان الخمسة. ولتأطير هذه الدراسة، قمتُ بإعداد استبيان علمي اعتمد مقاييس كمية دقيقة لقياس المواقف السياسية للمراهقين، حيث شمل مؤشرات الاهتمام، والشعور بالفاعلية، ودرجات الثقة، ومستويات الاطمئنان. كما عمّقتُ البحث بمقابلات ميدانية أجريتها مع المعلمين والطلاب على حد سواء، بغية الوقوف على أنماط التفكير السياسي لدى الناشئة وعلى كيفية تشكّل المعتقدات المرتبطة بالتربية على المواطنة. تنوّعت هذه المقابلات بين جلسات حوارية صغيرة ضمّت مجموعات من طالبين حتى ثمانية طلاب، وبين نقاشات صفّية موسّعة. وبعد جمع هذه المعطيات، شرعتُ في تحليل البيانات الكمية باستخدام حزمة من الأدوات الإحصائية المتقدمة، شملت تحليل العوامل، وتحليل البنود، وتوزيعات التكرار حسب كل بند، وحساب المتوسطات على مستوى البنود والمقاييس، إضافة إلى اختبارات تحليل التباين وقياس حجم الأثر بين المتوسطات. وفي المقابل، تعاملتُ مع المادة الكيفية (المذكرات الميدانية، والمقابلات، والوثائق، واليوميات البحثية) عبر منهج التحليل المقارن المستمر، الذي مكّنني من استخلاص موضوعات محورية وقضايا تفسيرية من رحم المعطيات الأولية، بما أتاح بناء صورة متكاملة عن التنشئة السياسية لدى المراهقين في السياقات المدروسة.
لأنّ الدراسة التي اضطلعت بها (هان) اتسمت بطموح واسع النطاق وبتعقيد منهجي استثنائي، فقد امتد تنفيذها على مدى عقد كامل حتى تكتمل. ورغم أنّها لم تكن تعمل بمفردها على نحو مطلق، إذ اعتمدت على شبكة من الوسطاء في البلدان المختلفة، واعترفت بالدعم الذي قدّمه عدد من المساعدين في مراحل تحليل البيانات، فإنّ المشروع ظلّ يقوم جوهريًا على جهد فردي خالص، حيث كانت صاحبة القرار النهائي فيما يتصل بتوقيت العمل، ومكانه، وأساليبه. وما بدا في الظاهر قيدًا كان في جوهره مصدر قوة؛ فحرمانها من وجود فريق دولي جعلها محدودة الموارد ومتقيدة بإمكانات ذاتية، لكنه أعفاها من الأعباء المرهقة للعمل ضمن فريق عابر للثقافات، ومن إشكالات التنسيق، ومن السعي إلى فرض معايير موحّدة على جميع الحالات القُطرية المشاركة كما كان الحال في الدراسات السابقة. لقد غدت (هان) نفسها المعيار المرجعي الجامع، وأدّت دور الوسيط والموجّه بين السياقات الوطنية المختلفة، لتجعل من حضورها الفردي الضابط الأساسي لمسار المشروع.
بخلاف (لي وفاوتس) اللذين تعمّدا تضييق نطاق دراستهما وتقليص أدواتها حرصًا على بلوغ مستوى من القابلية للمقارنة اعتبراه ممكنًا، اختارت (هان) أن تسلك سبيلًا مغايرًا قوامه مقاربة شمولية اعتمدت على أدوات وأساليب بحثية معقّدة ومتداخلة. فعلى الصعيد النوعي، سعت إلى تفكيك كل مكوّن من مكوّنات المعطيات، واستثمرت ذلك في توليد موضوعات مركزية انبثقت مباشرة من البيانات الخام، شاملة الملاحظات الصفية، والمقابلات مع المعلمين والطلاب، والوثائق، والمذكرات الميدانية، ويومياتها البحثية الخاصة. أما على الصعيد الكمي، فقد دمجت بين تكييف مقاييس راسخة في الأدبيات وتطوير مقاييس جديدة من ابتكارها. فمن المقاييس المكيَّفة: مقياس الثقة السياسية، ومقياس الفاعلية السياسية، ومقياس الاطمئنان السياسي، ومقياس الاهتمام بالشأن العام. ومن المقاييس التي طوّرتها بنفسها: بنود النشاط السياسي المستقبلي، وبند الخبرة السياسية، ومقياس حرية التعبير، ومقياس التسامح المدني، ومقياس المناخ الصفي. وقد أتاحت هذه الأدوات دراسة دقيقة للمواقف السياسية (الاهتمام، والفاعلية، والثقة، والاطمئنان)، وللسلوكيات السياسية (مثل متابعة الأخبار والمشاركة في النقاشات السياسية)، وللمواقف من حرية التعبير والصحافة بالنسبة إلى الفئات الاجتماعية المختلفة، وللمعتقدات حول المساواة في الحقوق السياسية بين الذكور والإناث، فضلًا عن تصوّرات الطلاب لمناخ صفي محفّز على النقاش والتعبير عن الآراء في المسائل الجدلية (هان 1998، ص 3–4). أما الخلاصة الجوهرية التي توصّلت إليها (هان) بعد عقد كامل من البحث متعدد المناهج والأدوات (ص 17–18)، فقد تمثّلت في أنّ القواسم المشتركة لا تُلغي التنوّعات، بل إنّ التنوعات تتجلّى في قلب المشترك نفسه:
مع أنّ الخطاب الأكاديمي كثيرًا ما يشير إلى الديمقراطيات الغربية بوصفها وحدة متجانسة، فإن الواقع يكشف عن تباينات واسعة في أنظمتها السياسية وثقافاتها. فالهياكل الديمقراطية وطرائق عملها تختلف من بلد إلى آخر اختلافًا ملحوظًا، غير أنّ المواطنين في هذه البلدان تشاركوا جميعًا إرث عصر التنوير الذي رسّخ قيمة الحرية الفردية بوصفها مبدأً مؤسسًا. وعلى الرغم من هذا القاسم المشترك، فقد تطورت في كل نظام تعليمي وطني سمات فريدة من نوعها، غير أنّها تبلورت داخل أفق من الأفكار الموحِّدة بشأن أهداف التعليم وصورته الأساسية.
قام (كينيدي، وهان، ولي 2008) بإجراء تحليل كمي ثانوي لبيانات دراسة التربية المدنية التي أجرتها الرابطة الدولية لتقويم التحصيل الدراسي (IEA) سنة 1999، وشمل التحليل أستراليا وهونغ كونغ والولايات المتحدة الأمريكية. وقد استهدف هذا التحليل المقارنة بين قيم الطلاب ومواقفهم، سواء داخل كل مجتمع أو عبر المجتمعات الثلاثة. وما يميز هذه الدراسة أنّ كل مؤلف من المؤلفين الثلاثة كان قد اضطلع بدور المنسق الوطني للبحث في بلده ضمن دراسة (IEA)، وهو ما منحهم في آن واحد منظورًا داخليًا لفهم خصوصيات مجتمعاتهم، ومنظورًا خارجيًا لفحص المجتمعين الآخرين. واستند الباحثون إلى عينات وطنية ممثلة مأخوذة من الدراسة الدولية، حيث اختاروا 1000 مشارك بطريقة عشوائية من كل عينة موزونة. ثم استخدموا برنامج الحزم الإحصائية للعلوم الاجتماعية (SPSS 12.0) لمعالجة البيانات، وحساب التوزيعات التكرارية لكل بند، وربطوا ذلك بأربعة مقاييس مختارة في كل مجتمع. وانطلقوا من فرضية أنّ أنماط التوزيع عبر فئات الإجابة تمثل الدلالات التي يمنحها الطلاب للبناء الكامن، مما أتاح لهم إجراء مقارنات منهجية بين نتائج المجتمعات المختلفة. وأخيرًا، ربط الباحثون بين هذه النتائج وبين أبعاد الثقافة المدنية والقيم السائدة في كل مجتمع من المجتمعات الثلاثة (ص 60–61).
انتهت هذه الدراسة إلى وضع "خريطة" سياقية دقيقة للمجتمعات الثلاثة التي جرى اختيارها للمقارنة، وقدّمت هذه الخريطة ما يبرّر الحديث عن وجود قواسم مشتركة كافية تسمح بفهم الاختلافات القائمة بوصفها اختلافات ذات مغزى يتجاوز حدود التنوع الشكلي. ومن خلال التحليل الكمي الثانوي، أمكن الكشف عن تباينات في تصوّرات الطلاب، وهي تباينات كان من الممكن أن تضيع أو تُهمل ضمن نتائج التحليل الدولي واسع النطاق الذي أجراه فريق (IEA) للبيانات الأصلية. وفوق ذلك، توصّل المؤلفون إلى نتائج لم تكن في الحسبان (ص 88)، وأبرزوا أنّ بعض أوجه التشابه والاختلاف بين الطلاب لا تخضع لتفسير يسير، بل تكشف عن تعقيدات كامنة في البُنى الثقافية والتعليمية للمجتمعات المدروسة.
تظهر المجتمعات الثلاثة بسمات متفرّدة في أبعادها التاريخية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ومع ذلك تنشأ مفارقة لافتة: ففي بعض الحالات نجد أنّ مواقف طلاب هونغ كونغ تقترب من مواقف نظرائهم في الولايات المتحدة، بينما تأتي مواقف الطلاب الأستراليين مختلفة على نحو يكاد يكون قاطعًا عن مواقف أقرانهم الأميركيين. ولا يتيح الوضع الراهن تفسيرًا واضحًا لهذه النتائج المقارنة، غير أنّ أهم ما تكشفه هو أنّ عملية التنشئة السياسية تنطوي على قدر كبير من عدم القدرة على التنبؤ، يفوق ما افترضته النماذج التقليدية السائدة. ومن ثمّ، فإنّ التقدم في هذا المجال يتطلب المزيد من البحث الممنهج الذي يستكشف التفاعلات الدقيقة والمعقدة بين العوامل المحلية المتداخلة، والتي تقود في كثير من الأحيان إلى مخرجات غير متوقعة وغير مرسومة مسبقًا.
تُبرز الحالة السابقة نتيجة متقاربة في بعض المواضع، على الرغم من التباينات والسمات المميّزة التي تتّسم بها تلك المجتمعات.
أجرى (بروملي 2009) تحليلًا طوليًا لمضامين 465 كتابًا مدرسيًا في التاريخ والتربية المدنية والدراسات الاجتماعية صادرة في 69 دولة خلال الفترة الممتدة من 1970 إلى 2008، بهدف رصد الاتجاهات العابرة للدول نحو ترسيخ مجتمع أممي. وقد استندت الغالبية العظمى من هذه الكتب إلى أرشيف معهد (جورج إيكرْت) الألماني للبحوث الدولية في الكتب المدرسية، بعد أن جُمعت أصلًا ضمن مشروع بحثي حول تعليم حقوق الإنسان قاده (جون ماير) و(فرانسيسكو راميريز) (ماير وآخرون 2010). صنّف (بروملي) كل كتاب وفق معايير أُعدّت لقياس مدى تركيزه على قيم الكونية والتنوّع التي تُعدّ من ركائز فكرة المجتمع الأممي. ولمواجهة التحديات الناجمة عن الترجمة، اعتمدت الدراسة على استراتيجيات متعدّدة شملت استخدام أسئلة واقعية، والاستعانة بمترجمين ثنائيي اللغة إلمامًا كاملًا، وضمان اتساق التقييمات بين المقيمين. كما جرى تقسيم الكتب إلى فترتين أساسيتين: 1970–1994 و1995–2008، بهدف رصد التحولات التاريخية في أوروبا الشرقية، وتحقيق توازن في توزيع العينة الكاملة.
خلصت الدراسة إلى أنّ ثمة اتجاهًا عالميًا واضحًا نحو ترسيخ قيم المجتمع الأممي في كتب التربية المدنية، باستثناء منطقة آسيا التي شكّلت استثناءً لافتًا. وقد أقرّ المؤلف بأنّ هذه النتيجة غير المتوقعة تتناقض مع ما أظهرته بحوث معمّقة أخرى في السياق الآسيوي. وأرجع (بروملي) هذا التباين إلى ما يعتري الدراسات الكلية واسعة النطاق من حدود منهجية تجعلها عاجزة عن التقاط التعقيدات الدقيقة والمعاني المتباينة التي لا تكشفها إلا دراسات الحالات الفردية المتعمقة (2009، ص 39). ومن هذا المنطلق، تكتسب الحالة التالية أهميتها، إذ تحمل بدورها طابعًا طوليًا، لكنها توضح في الوقت ذاته ما يمكن أن يتيحه تحليل حالة واحدة عند وضعها في إطار مقارن.
رغم أنّ هذه الدراسة لا تنتمي إلى المقارنات الصريحة عبر الدول، إلّا أنّها تحظى بأهمية خاصة لكونها تُسلّط الضوء على موضوع محوري في ميدان التربية المقارنة، وهو جدلية العلاقة بين البُعد العالمي والبُعد المحلي في عمليات انتشار وتوطين الأفكار التربوية. وقد أنجز (مون وكو 2011) دراسة اعتمدت الطرائق المختلطة لتفحّص التربية المدنية في كوريا الجنوبية، مركّزين على الكيفية التي تتقاطع فيها التوجهات العالمية المتعلقة بالمواطنة مع المعطيات السياقية المحلية. وفي الجانب الكمي من الدراسة، قام الباحثان بتحليل محتوى 62 كتابًا مدرسيًا في التربية المدنية نُشرت بين عامي 1981 و2004، إذ عمدا إلى قراءتها تفصيلًا، صفحةً بعد أخرى، لإحصاء عدد مرات ورود الكلمات المفتاحية المرتبطة بالبُعدين العالمي والوطني، ثم حَسَبا المتوسط العام لورودها في الصفحة الواحدة، وذلك لرصد التغيرات على امتداد الفترة الزمنية. وأعقب هذا التحليل الكمي توظيف معطيات نوعية استُقيت من 28 مقابلة شبه منظّمة مع مجموعة من الفاعلين المحليين، في محاولة لتفسير كيفية تسرّب مفاهيم المواطنة العالمية إلى المناهج الكورية الجنوبية. وأسفر هذا المزج المنهجي عن استنتاجات مهمّة أبرزت التفاعل الجدلي بين المحلي والعالمي في مسار تبنّي مفاهيم المواطنة العالمية في كوريا الجنوبية، حيث خلص الباحثان (ص 595) إلى أنّ:
تداخلت الآليات العالمية بصورة عضوية مع حلقات التطور المحلي التي مهّدت لنجاح عملية إدماج مفاهيم المواطنة العالمية في الكتب المدرسية. واتضح أنّ المنظمات المحلية، إلى جانب القادة السياسيين الوطنيين والمسؤولين الحكوميين، ظلّت على صلة مباشرة بالنماذج العالمية السائدة، الأمر الذي أسهم في انتقال تلك الأفكار وانتشارها، ومن ثمّ ترسّخها واعتمادها في بنية المجتمع الكوري.
أجرى (كوغان 2000) بمشاركة فريق من الباحثين دراسة مقارنة معمّقة حول مفهوم المواطنة في تسع دول: إنجلترا وألمانيا واليونان والمجر وهولندا وتايلاند واليابان وكندا والولايات المتحدة الأمريكية، خلال الفترة ما بين 1993 و1997. وقد بُنيت هذه الدراسة على تكييف عابر للثقافات لنموذج بحثي يُعرف باسم المنهج الإثنوغرافي الدلفي المستقبلي، وهو إطار منهجي يُستخدم عادةً لاستشراف الاتجاهات المستقبلية بعيدة المدى، بهدف صياغة سياسات عامة تتسم بقدر أكبر من الدقة والملاءمة. وتكمن أهمية هذا النهج في قدرته على اختزال المعطيات المتعددة المصادر وصياغتها ضمن بيانات توافقية، بما يسمح بتفسيرها من قِبل المشاركين والباحثين على حدّ سواء. واستندت الدراسة إلى استجابات 182 خبيرًا في السياسات، وتمخض عنها إنتاج 900 بيان أولي صيغت وفق نموذج دلفي، ونُظّمت هذه البيانات في ثلاثة محاور رئيسية: اتجاهات، وخصائص، واستراتيجيات/مقاربات/ابتكارات تعليمية. وقد ابتكر الفريق البحثي آلية دقيقة لتحديد الأوزان النسبية الملائمة لتجميع وتصنيف البيانات، بما يضمن موثوقية أعلى في النتائج (كورث–شاي وآخرون 2000).
اتسق المسار الذي طوّره الفريق مع الغاية الأساسية المتمثّلة في الكشف عن أوجه التقارب، وذلك من خلال وضع معايير دقيقة لاختيار الشركاء في البحث والمستجيبين. وقد جرى تحديد أربعة شروط رئيسية لاختيار قادة الفرق البحثية، وهي: امتلاك خبرة راسخة ومُثبتة في مجال التربية على المواطنة أو في منهجيات البحث العلمي، والقدرة على صياغة رؤية مستقبلية واضحة، وإبداء اهتمام فعلي بالمشاركة في الدراسة، فضلًا عن الالتزام بالاستمرار في المشروع حتى استكماله. وعلى نحو موازٍ، جرى تحديد أربعة معايير لاختيار الخبراء الأعضاء في لجان دلفي، تمثّلت في: التوجّه المستقبلي، والريادة في مجال التخصص العلمي أو المهني، والاهتمام العميق بالشؤون المدنية والعامة، إلى جانب المعرفة الجيدة بالاتجاهات والقضايا العالمية المعاصرة.
أفضى المعيار المشترك بين المجموعتين إلى نشوء نمط بحثي تتقاطع فيه الرؤى المستقبلية، بحيث أصبح الباحثون الذين يتبنون منظورًا مستقبليًا يجرون دراساتهم على القادة الذين ينطلقون هم أيضًا من مرجعية مستقبلية. ووفقًا لمفهوم (برغ–شلوشر 2001)، فإنّ هذا يندرج ضمن إطار "الأنظمة المتشابهة التي تُفضي إلى نتائج متشابهة". ونتيجة لذلك، تم تحديد ثمانية مقومات محورية تُعبّر عن سمات المواطنة، كما جرى تطوير مخطط تحليلي يقوم على أربعة أبعاد رئيسية، صيغ انطلاقًا منها نموذج متعدد الأبعاد للمواطنة. وعلى الرغم من التركيز على البيانات التوافقية، لم يتجاهل الفريق البحثي ما برز من بيانات غير توافقية، بل خُصّص لها فصل مستقل في التقرير لبحث طبيعة التصريحات المختلف عليها ودرجة التباين في الآراء حولها. وبصورة عامة، توصّل الفريق إلى ملاحظات مهمة تكشف عن وجود فوارق جوهرية بين الشرق والغرب، حيث أظهر القادة في الشرق مستويات أعلى من التوافق والانسجام، في حين بدت مواقف نظرائهم الغربيين أكثر تباينًا واختلافًا (كارستن وآخرون 2000).
امتدّت هذه الدراسة على مدى ثلاث سنوات كاملة، وغطّت إحدى عشرة دولة مشاركة. وقد بدأت بإطار تحليلي أولي اتسم بالبساطة، يقوم على أربعة أسئلة أساسية شكّلت محور الاهتمام البحثي (كامينغز 1998، ص 1):
ما الأسباب الكامنة وراء تغيّر القيم عبر الأزمنة والسياقات؟ وما القيم التي يتعيّن أن تنال الأسبقية والاهتمام الأكبر ضمن برامج التربية القيمية؟ ومن الجهة أو الفئة التي ينبغي أن تشكّل محور هذه التربية؟ ثم كيف يمكن صياغة هذه القيم وتنميتها، وما السبل الكفيلة بضمان نقلها وترسيخها؟
عند الانطلاقة الأولى للمشروع، كان مقترح الفريق البحثي أن يعتمد على دراسة وفق منهج دلفي، لكونه المنهج الأكثر ملاءمة لتحليل التوجهات القيمية لدى القادة (كامينغز وآخرون 1996). لكن، ومع بدء التنفيذ الفعلي واجتماع ممثلي الدول المشاركة، تراجع أعضاء الفريق عن هذا الخيار. وقد جاء في تقرير عمل أعدّه (كامينغز 1998، ص 1) ما نصّه:
أبدى ممثلو الدول المشاركون في المشروع تقديرًا ملحوظًا للاتجاهات الراهنة في مجال التربية القيمية، وكانوا على إدراك عميق بحقيقة التباينات القائمة في مواقف المنطقة ورؤاها. وفي بادئ الأمر انصرفت جهودهم إلى التفكير في آليات يمكن أن تعزز التوافق الإقليمي. غير أنّ المجموعة ما لبثت أن اتخذت، في تحول فكري لافت، موقفًا مغايرًا، إذ رأت أنّ هذه النزعات المتباينة تمثّل انعكاسًا طبيعيًا للتعقيد المتزايد في الحياة المعاصرة. وبناءً على ذلك، أعادت المجموعة صياغة أولوياتها، واتفقت على التعاون في إعداد منهجية جديدة لتحليل أنماط التباين، قائمة على الدمج بين دراسات الحالة الوطنية والاستقصاء الدولي وفق أسلوب سيغما.
بعد أن توصّل المشروع إلى قناعة راسخة بأنّ التباين يمثّل السمة الجوهرية لدراسة القيم في سياقات متعددة الدول، تخلّى الفريق عن اعتماد دراسة دلفي، واختار بدلًا منها تنفيذ دراسة سيغما. وقد استند هذا التحوّل المنهجي إلى حجّة أساسية، مفادها أنّ المنهجية المناسبة لإبراز أوجه الاختلاف لا يمكن أن تكون مجرد تعديل لأداة قائمة، بل تتطلب ابتكار مقاربة مسحية جديدة حملت اسم "المسح الدولي للنخب – سيغما". وفي التقرير الختامي، شدّد (كامينغز وآخرون 2001ب، ص 14) على ما يلي:
يُستعمل الحرف اليوناني "سيغما" في علم الإحصاء بوصفه الرمز الذي يعبّر عن التباين أو الاختلاف في القيم والنتائج. ومن هذا المنطلق استُخدم المنهج الذي طوّرته هذه الدراسة تحت اسم "منهج سيغما"، ليكون أداة موجهة نحو إبراز أوجه التمايز والاختلاف بين الحالات والبلدان، وتسليط الضوء على طبيعة التباينات القائمة. ويُقارن هذا المنهج بمنهج دلفي الذي يهدف على العكس من ذلك إلى صياغة توافقات عامة، ومن ثم تقليص مساحة التباين وإضعاف حدّته بين مختلف الأطراف.
السمات المميّزة لمسح سيغما وُصفت على النحو الآتي:
* الاختيار المقصود لعينة نخبوية من كل بيئة تمثّل تمايزات مهمّة في الانتماء السياسي أو الأيديولوجي، والمكانة الاجتماعية، والنوع الاجتماعي، والموقع الإقليمي.
* صياغة أسئلة تعكس اهتمامات كل بيئة وتمس شواغلها المباشرة.
* استخدام صيغة للأسئلة تُلزم المشاركين بتوضيح مواقعهم بدقة، مثل ترتيب الخيارات المتعددة ضمن قائمة طويلة بحسب الأولوية.
* توجيه أسئلة متابعة إلى المشاركين الذين يُبدون مواقف استثنائية أو يطرحون إجابات مغايرة بوضوح.
بعد أن حُسِم القرار بألّا ينصبّ اهتمام الدراسة على البحث عن مسارات التقارب، اعتمد المشروع نهجًا مغايرًا يستند إلى تحليل القيم المتباينة ودراسة اختلافها (كمنغز وآخرون 2001ب، ص 8):
تبيّن للباحثين أن محاولة وضع تعريف واحد ومحدد لمفهوم "القيادات" بحيث ينسجم مع تنوّع البلدان والسياقات أمر غير ممكن، ولذلك لم يُسعوا إلى اختيار عينة عشوائية، بل اعتمدوا على أن يقوم كل فريق وطني بانتقاء من يراه الأكثر تمثيلًا لواقعه، في إطار التزام عام بمراعاة التنوع بين الفئات. ووفقًا للمكانة الاجتماعية للمشاركين، توزّعت النسب كالآتي: 6% قادة سياسيون، 17% سلطات تعليمية مركزية، 5% قادة دينيون، 11% ممثلون عن منظمات غير حكومية ذات صلة، 17% قادة فكريون، 12% أكاديميون، 18% مديرو مدارس محلية، 20% مصمّمو مناهج أو معلمو التربية القيمية، و21% نساء. وجاء هذا التوزيع متقاربًا في مختلف البيئات، مع نشر تفاصيل أدقّ عن عينات كل بيئة في الفصول المخصصة لها، بينما بلغ العدد الإجمالي للمستجيبين 834 قائدًا.
ذكر (برغ–شلوسر 2001) أن هذا التصنيف جاء متوافقًا مع منظور "أنظمة مختلفة تؤدي إلى نتائج مختلفة". وأدّى التحليل إلى رصد أنماط متنوّعة من التوجهات القيمية بين الدول المشاركة. ولتحقيق ذلك، طبّق الفريق أسلوب القياس متعدّد الأبعاد على 15 مبررًا للتربية القيمية، فتمّ تحديد مواقع الدول على متصلين مزدوجين: الفردانية في مقابل الجمعية، والتنوّع في مقابل القومية. ثم استخلص الفريق أربعة أنماط رئيسة تمثّل خريطة هذه الدول: الليبراليون الغربيون، والأخلاقيون في جنوب شرق آسيا، والمنهج الكونفوشي الوسطي، ثم الوسطيون من خلفيات اشتراكية سابقة. ومع أنّ هدف المشروع كان دراسة التباينات، فإن (كمنغز) وزملاءه لم يتمكنوا من إغفال بعض مظاهر التقارب، على نحو مماثل لما واجهه (كوغان) وزملاؤه في دراسة دلفي. وأظهرت النتائج أنّ القيم التي نالت أعلى مستويات التأييد كانت الاستقلالية الفردية والقيم الأخلاقية والقيم المدنية والديمقراطية، في حين برزت قيم العمل والبيئة والأسرة والسلام والهوية الوطنية والتنوّع في الدرجة الثانية من التأييد، بينما جاءت قيم المساواة بين الجنسين والوعي العالمي والدين في المرتبة الأخيرة (كمنغز 2001، ص 289–290).
انطلق (يونغ وتاي 2013) في دراسة مقارنة عبر الثقافات لتحليل تصوّرات تلامذة الصفوف الثانوية الدنيا في تايوان وهونغ كونغ فيما يتعلّق بالقيم المدنية الآسيوية. واستندا في عملهما إلى بيانات الوحدة الإقليمية الآسيوية في دراسة (ICCS 2009)، حيث قاما بدايةً بتطبيق التحليل العاملي الاستكشافي ثم التحليل العاملي التأكيدي للوصول إلى النموذج الأمثل الذي يفسّر النتائج داخل المجتمعات الثلاثة. ثم لجآ إلى تحليل المتوسطات الكامنة من أجل اختبار أوجه الاختلاف بين تلك المجتمعات. وأوضحت الدراسة أنّ طلاب شرق آسيا يتقاربون بوجه عام في مواقفهم الرافضة للممارسات غير الديمقراطية وغير العادلة، كما يتقاربون في قبول الهوية الآسيوية والقيم الديمقراطية، لكنهم يختلفون من بلد لآخر في درجة تمثّل بعض القيم المدنية. ويؤكّد هذا المثال صلاحية تصنيف (برغ–شلوسر 2001) القائم على منهج «أنظمة متشابهة تقود إلى نتائج متباينة» عند إجراء التحليلات المقارنة بين الحالات.
قام (كوغان وزملاؤه 2002) بمقارنة التربية المدنية في ستة مجتمعات، هي نيو ساوث ويلز الأسترالية، وهونغ كونغ، واليابان، وتايوان، وتايلاند، ومنطقة الغرب الأوسط في الولايات المتحدة، وذلك في الفترة الممتدة بين 1997 و2000. وعلى خلاف البحوث السابقة التي مزجت بين الطرائق الكمية والنوعية، اقتصرت هذه الدراسة على استخدام النهج النوعية، التي شملت استعراضًا تاريخيًا، وتحليلًا للسياسات والوثائق، إضافة إلى دراسات حالة لمدارس في كل مجتمع مشارك. وتراوح عدد الحالات المدرسية المدروسة من حالتين في هونغ كونغ إلى أربع حالات في نيو ساوث ويلز. وقد تمايزت هذه الدراسة عن نظيراتها السابقة في أن المقارنة لم تعتمد على بيانات كمية، وإنما على وصف وتحليل معمقين لكل مجتمع على حدة، بينما جاءت المقارنة الكلية في صورة "مقابلة بين النتائج". واشتمل التقرير النهائي على ثلاث جداول مقارنة تناولت: (1) السياسات الحكومية، (2) المعارف والقيم المراد تعزيزها، (3) القيم المدنية، بما يبرز القضايا التي اعتبرها فريق البحث محورية. وأبرز الفريق في الفصل الافتتاحي مصطلح "التحليل عبر الحالات"، ليؤكد خصوصية منهجه المقارن. كما أن مفهوم "الحالة" اتخذ طابعًا متعدّد الطبقات، إذ مثّلت الدراسة في جوهرها مقارنة بين دراسات حالة مقارنة، أو ما يمكن وصفه بـ "دراسة لحالات ضمن حالات". وقد حدد كل مجتمع مشارك مدارس معيّنة لتكون محل الدراسة، ثم أجرى الفريق مقارنات بين المجتمعات بوصفها وحدات حالة مستقلة، وذهبوا أبعد من ذلك حين أعادوا صياغتها في صورة "حالات ثقافية" مثل "المجتمعات الآسيوية" و"المجتمعات الغربية" (موريس وآخرون 2002).
أظهر التحليل عبر الحالات أنّ هناك قيمًا تتلاقى وأخرى تتباعد فيما بينها. فعلى صعيد القيم المتقاربة، ميّز الباحثون ثمانية عناقيد قيمية تضم: تنمية الذات، والقيم العائلية، والقيم الديمقراطية، ومفهوم الحكم العادل، والجوانب الاقتصادية للحياة، والتماسك الاجتماعي والتنوع، والحياة المدنية والمشاركة المجتمعية، إضافة إلى الهوية الوطنية. ومع ذلك، فقد تبيّن أنّ التباينات تفوق عناصر التقارب، حيث رُصدت أربع منظومات من التوترات تمتد عبر مختلف المجتمعات المشاركة (موريس وآخرون 2002، ص 174):
* حقوق الفرد في مقابل مصالح الجماعة
* الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي في مقابل التغيير/إعادة البناء الاجتماعي
* التماسك الاجتماعي في مقابل التنوع الاجتماعي
* تقديم معرفة جاهزة متلقّاة في مقابل التعامل مع المعرفة بوصفها مؤقتة وقابلة للبناء
ومن السمات المميّزة لهذا الجهد المقارن أنّ الباحثين لم يلجأوا إلى وضع محدّدات للمقارنة قبل البدء، بل فضّلوا استخدام ثنائية "المواطنة الدنيا" و"المواطنة العليا" كإطار إرشادي يوجّه عملية تحديد مواقع المجتمعات قيد الدراسة ومقارنتها.
قدّمت دراسة التربية المدنية للرابطة الدولية لتقويم التحصيل الدراسي نموذجًا مميّزًا لمقارنة الحالات على نحو نوعي. فقد نُظّمت الدراسة على مرحلتين: أُعدّت الأولى لتكون إطارًا نوعيًا يُرسي الأساس لبناء أدوات الاستبانة الكمية في المرحلة الثانية. ووضع فريق البحث ثمانية عشر سؤالًا تأطيريًا لتوحيد مدخلات المعلومات، بينما التزم ممثلو الدول بقصر تحليلاتهم على موضوعات الديمقراطية، والهوية الوطنية، والتماسك الاجتماعي والتنوّع. وقد أثمرت هذه الجهود عن أربعة وعشرين تقريرًا نوعيًا لدراسات حالة. وبغية تحليل هذه التقارير بما يخدم المرحلة اللاحقة، دعت اللجنة التوجيهية الدولية مجموعة من الباحثين إلى دراستها، فأفضت مقارباتهم المتنوّعة إلى إثراء المقارنات النوعية برؤى جديدة وذات قيمة علمية.
جُمعت هذه التحليلات في كتاب قامت بتحريره (شتاينر–خامسي وآخرون 2002أ)، وقد قدّم المحررون فيه نقاشًا معمّقًا كشف عن تنوّع الطرائق والنهج المقارنة المعتمدة. ومن الملاحظات التي برزت في هذا السياق قضية اختيار الحالات؛ حيث وضع معظم المؤلفين معايير مستندة إلى السياق مكّنتهم من حصر تركيزهم في عدد محدود من الأمثلة. كما عمد الكثير منهم إلى تقليص المحتوى محل الدراسة بالتركيز على المجالات الجوهرية للتربية المدنية مثل الديمقراطية والهوية الوطنية والتماسك/التنوع الاجتماعي، أو بتحديد مستويات معينة للتحليل تشمل السياسة والممارسة والمناهج الدراسية. إضافة إلى ذلك، اتضح أنّ أحد الأساليب لتضييق نطاق التحليل كان الاستناد إلى الخلافات النظرية المتعلقة بمفاهيم المواطنة والتربية المدنية.
استند الباحثون في وضع إطار التفسير إلى منهجين متمايزين. المنهج الأول هو النظرية المؤسَّسة، حيث جرت العملية على مراحل متسلسلة: (1) رصد الكلمات المفتاحية من تقارير الحالات، (2) اختيار موضوعات محدودة للتحليل، (3) استبعاد الموضوعات غير القابلة للمقارنة ثم ترجيح موضوع برز خلال مراحل التحليل، (4) إعادة قراءة هذه الموضوعات على ضوء المفاهيم الواردة في الأدبيات العلمية. أما المنهج الثاني فقد اعتمد على مراجعات الأدبيات لوضع أطر تفسيرية تُختبر من خلالها درجة اتساق الحالات المدروسة مع النماذج النظرية المطروحة. وقد تميّز أحد المؤلفين بطرح مقاربة تحليلية على مستوى ميتا، تناول فيها انعكاسات عملية جمع البيانات النوعية وكيف تمايزت عن غيرها من الدراسات في البحث النوعي أو في التربية المقارنة (شتاينر–خامسي وآخرون 2002ب، ص 12–14).
عكست المقارنة بين الحالات تنوّعًا في تعريف المؤلفين لما يمثّل "الحالة". فهناك من تعامل مع الدراسات القُطرية باعتبارها وحدات تحليلية تصلح للمقارنة عبر الدول، بينما رأى آخرون أنها أنظمة مغلقة تمثّل نماذج مختلفة من التربية المدنية والمواطنة. وفي اختيارهم للعينة، اعتمد معظم الباحثين معايير واضحة هدفت إلى بناء تصميم تقابلي، من خلال انتقاء حالات اعتُبرت "الأكثر تباينًا" على صعيد النظم السياسية أو التعليمية أو غيرها من المحددات. أما المؤلفون الذين ركّزوا على عينة أصغر، فقد اعتمدوا منهجًا تقابليًا يُعرف بتصميم "الأنظمة الأشد اختلافًا والنتائج المختلفة". ومن الأمثلة البارزة ما قامت به (شتاينر–خامسي) حين اختارت تقارير الولايات المتحدة ورومانيا وألمانيا وهونغ كونغ، لاعتقادها أنّ هذه الحالات تُمثّل تصوّرات متمايزة للمواطنة، وأن المقارنة بينها ستُظهر تباينات جوهرية في مناهج التربية المدنية (2002ب، ص 26).
أكّد المحررون أنّ التحليل النوعي العابر للحدود أتاح فرصة ثمينة للتعامل مع اكتشافات لم تكن متوقعة مسبقًا، إذ إنّ معطيات دراسات الحالة بدت وكأنها "تردّ" على الباحث وتوجّه مسار النقاش. وخلال مراجعة قاعدة البيانات النوعية، توصّل ثلاثة من الباحثين إلى أن الإطار النظري الأصلي لدراسة الرابطة الدولية لتقويم التربية المدنية يظل محدود الأفق. وبالاستناد إلى ما أجروه من تحليلات مستقلة، اقترح هؤلاء توسيع الإطار بحيث يشمل أبعادًا اقتصادية وأخرى تتجاوز حدود الدولة القومية، بما يفتح آفاقًا جديدة لفهم المواطنة.
أشارت (شتاينر–خامسي وآخرون 2002ب، ص 34) إلى أنّ الباحثين النوعيين يواجهون في كثير من الجوانب التحديات المنهجية نفسها التي يواجهها الباحثون الكميون عند تحليل البيانات عبر الدول. فعلى سبيل المثال، يتعيّن على كليهما التعامل مع مشكلات تتعلّق بالعيّنة، وتقليص حجم البيانات، والتحقق من الصدقية والثبات. غير أنّ المقارنين النوعيين، عند مباشرتهم لتحليل بيانات دراسات الحالة في سياقات دولية مختلفة، كان عليهم الحرص على ألّا يُفقد "نسيج" المادة المدروسة أو يُشوَّه. فقد كانت هذه المادة بحاجة إلى معالجة تختلف عن أسلوب التعامل مع الأسئلة المفتوحة في الاستبانات. وانتهت (شتاينر–خامسي وآخرون 2002ب، ص 34) إلى القول بأن:
تعمل دراسات الحالة كسرديات متماسكة مشبّعة بالنظرية، تنقل إلينا ملامح العلاقات السببية داخل نظام مغلق، وتقدّم مستوى من الارتباط بالسياق يتجاوز بكثير ما قد تمنحه الأسئلة المفتوحة في الاستبانات حين تجمَّع. وإنّ عدم التفريط في هذه السمة السياقية يمثّل تحديًا علميًا يظل ميزة خاصة بالباحثين المقارنين نوعيًا.
تكشف المراجعة السابقة أنّ بحوث القيم المقارنة، على اختلاف منهجياتها بين الكمي والنوعي أو المزج بينهما، وتباين حجمها من حيث عدد الدول أو الحالات، وتنوّع القيم التي تتقصّاها بين المتقاربة والمتباينة، وتعدّد مسالكها التحليلية ما بين الاستقراء القائم على الملاحظة والمعطيات أو الاستنتاج المبني على اختبار النظريات، تلتقي جميعها عند خيط ناظم واحد. إذ ظلّت هذه الدراسات، صراحة أو ضمنًا، تُثير جملة من التساؤلات الجوهرية حول طبيعة القيم وأهميتها، وما تفرضه من أبعاد معرفية وتربوية:
* ما القيم المعتبرة أساسًا في المجتمع والمقدَّمة على غيرها؟
* ما طبيعة العلاقة والتفاعل بين القيم الشخصية للأفراد والقيم العامة للمجتمع؟
* لأيّ أسباب تحظى بعض القيم بتركيز خاص، وغالبًا ما يُعاد تفسيرها في ضوء التقاليد الثقافية أو متطلبات التغيير الاجتماعي؟
* ما الوسائل والأدوات التحليلية التي يمكن توظيفها لفهم هذه الظواهر وتأطيرها نظريًا؟
* بأي آليات يتم إدماج هذه القيم ونقلها من خلال النظام التعليمي؟
هل يظهر تباين بين الخطاب السياسي الرسمي (فيما يتعلّق بالقيم التي يطرحها صانعو السياسات) وبين الممارسات الفعلية (المتجسّدة في القيم التي يعتنقها الأفراد من طلاب ومعلمين ومؤسسات مدرسية)؟
لطالما واجه الباحثون المنخرطون في الدراسات المقارنة معضلات متأصلة تتعلق بخيارات المنهج ومداخل التحليل. وقد بيّن (ليفي–فور 2006) جانبًا من هذه المعضلات، من بينها تحديد حجم العينة الأنسب، والمفاضلة بين اعتماد النهج الكمية أو النوعية، وكذلك الجدل حول جدوى التركيز على البُعد التطبيقي مقابل الانشغال بالمنطلقات الأيديولوجية. وتُظهر الأمثلة الإحدى عشرة التي تناولها هذا الفصل مدى التباين بين النهج المختلفة؛ فمن حيث حجم العينة، نجد دراسات اقتصرت على بلد واحد، وأخرى امتدّت لتشمل 69 بلدًا. وفي معظم الحالات، باستثناء حالتين بارزتين أُجريتا بجهد فردي وشكّلتا دراستين عابرتين للحدود واسعة النطاق (الحالة الثالثة لـ(هان) والخامسة لـ(بروملي))، لجأ الباحثون إلى العمل الجماعي. كما فضّل عدد منهم التعمّق في تناول أبعاد متعددة للظاهرة، وهو ما استدعى تطوير أدوات بحثية معقدة، بينما اتجه آخرون إلى تبسيط هذه الأدوات إلى أبسط صورها بغرض ضمان سهولة المقارنة وإمكانية ضبطها.
الشكل 9.1: تباينات في التركيزات المنهجية ضمن الدراسات المقارنة للقيم
بيّنت هذه الحالات اتساع الهوة بين منهجين متباينين في البحث التربوي؛ فمن جهة، لجأت بعض الدراسات إلى النهج الكمية الخالصة، حيث جرى ضبط المتغيرات وتوحيدها بواسطة أساليب رقمية، ومن جهة أخرى، اعتمدت دراسات مقابلة على المنهج النوعي الصرف الذي يروم الكشف عن معاني المواطنة والقيم عبر دراسات الحالة. وفي الدراسات الكمية، وخصوصًا في الحالة الأولى، أُعيد تحديد نطاق البحث بواسطة أدوات إحصائية مثل التحليل العاملي، فاستقرّ التحليل على محاور أساسية شملت: المعرفة بمحتوى التربية المدنية، القدرة على تفسير المعلومات المدنية، فهم مفاهيم الديمقراطية والمواطنة والحكومة، إضافة إلى المواقف تجاه الدولة والحكومة والمهاجرين وحقوق المرأة في المجال السياسي. وقد انبثق ذلك من إطار أولي واسع ثم تطور من خلال استبيانات تفصيلية، وهو الاتجاه ذاته الذي طُبق في الحالتين السابعة والثامنة. في المقابل، اعتمدت النهج النوعية المستخدَمة في الحالتين العاشرة والحادية عشرة على مقابلات المجموعات البؤرية وتحليل محتوى المناهج والكتب المدرسية بوصفها أدوات رئيسية للبحث.
وقد لجأت بعض الدراسات، مثل الدراسة الواردة في الحالة السادسة، إلى توظيف المنهجين معًا، فكانت تقف في منزلة وسطى بين هذين الطرفين المتعارضين. فقد مثّلت هذه الدراسات محاولات جادّة في البحوث المقارنة ضمن العلوم الاجتماعية للجمع بين الأساليب بدلًا من الانقسام الثنائي الصارم بينها. وكما أشار (كوبدج 1997، ص 1)، فإن الدراسات واسعة النطاق (Large N) وتلك محدودة النطاق (Small N) يمكن أن تكون متكاملة، بحيث يُغني أحدهما الآخر ويكمّله في بناء المعرفة المقارنة.
عادةً ما تنتج الدراسات المقارنة ذات العينات الصغيرة (Small N) مفاهيم ونظريات "سميكة"، أي مفاهيم تتسم بالتعقيد، وتحتوي على أبعاد متعددة، وتستمد قوتها من سياقاتها المحددة وغناها التفسيري. وتُعدّ هذه السمات مفيدة في بناء أوصاف دقيقة وفي الكشف عن تفسيرات سببية بسيطة في نطاق محدود من الحالات. غير أنّ هذه "السماكة" البحثية تصبح ثقيلة وصعبة الاستخدام عندما يكون الهدف هو التعميم على نطاق واسع أو إخضاع الفرضيات المركبة لاختبارات دقيقة. وعلى الجانب الآخر، ورغم أنّ التحليل الكمي يتعرض لانتقادات متكررة بسبب اعتماده على مفاهيم ونظريات "رقيقة" أو مبسطة، فإنه يمثل في نظر الكثيرين الوسيلة الأكثر فاعلية لفحص التعميمات، وخاصة تلك التي تتعلق بشبكات السببية المعقدة والمتشابكة.
أوضح (كوبيدج 1997) أنّه بالإمكان ترجمة المفاهيم "السميكة" المليئة بالتفاصيل والسياقات إلى صيغ "رقيقة" تتلاءم مع طبيعة البيانات الكمية، مما يسمح بقياسها ومعالجتها إحصائيًا. وعلى الجانب الآخر، يمكن إعادة بناء المفاهيم "الرقيقة" وإغناؤها بالمعاني والسياقات عبر الاستعانة بالنهج النوعية، بحيث تعمل هذه الأخيرة على موازنة محدودية التبسيط الكمي وإضافة أبعاد تفسيرية تعيد للمفاهيم عمقها النظري.
تُظهر مراجعة الحالات الواردة في هذا الفصل أنّ البحوث المقارنة للقيم غالبًا ما تركّز على التحليل الكيفي، بالرغم من إمكانية التأكيد على الجانب الكمي كذلك، كما هو واضح في إسهام (تورني–بورْتا وأماديو 2013) اللذين أبرزَا القيمة البحثية للتقييمات الدولية واسعة النطاق في ميدان التربية المدنية. فالدراسات الكمية، وبالأخص تلك التي اضطلعت بها الرابطة الدولية لتقويم التحصيل الدراسي (IEA)، تتعامل عادة مع الدولة كوحدة أساسية في التحليل، وتدرجها ضمن مجموعات من الدول التي تتقارب نتائجها. غير أنّ هذا النهج لا ينسجم مع ما تسعى إليه معظم الدراسات المقارنة للقيم، إذ يتطلع الباحثون إلى ما يتجاوز مجرد ترتيب الدول، فيسعون إلى تفكيك الدلالات التي تحملها القيم داخل النسيج الاجتماعي للمجتمعات المعنية. ومن هنا يبرز الميل إلى النهج الكيفية والاهتمام بما سماه (ليفي–فور 2006) "أنطولوجيا النوع" في مقابل "منهجية الحجم". وإلى جانب ذلك، أوضحت (هان 2010) أنّ المقارنات داخل الدولة أو بين المجموعات الفرعية – عرقية كانت أو اجتماعية – قد تكون أكثر ثراءً من المقارنات عبر الدول، لأنها تُظهر أصواتًا وديناميات داخلية لا تكشفها الدراسات العابرة للحدود. كما دعت (هان) إلى توسيع دائرة التحليل لملاحظة التفاعل بين القوى العالمية والمحلية في صياغة الاتجاهات القيمية، وهو ما تقدّمه بصورة جلية الحالة السادسة.
تتباين النهج في الدراسات المقارنة بين من يسعى إلى الكشف عن مساحات الالتقاء في القيم وبين من يركّز على إبراز مساحات التباين. ويُدرك أنّ المنطلقات الأساسية للبحث تؤثر في جميع مراحل التصميم البحثي، بدءًا من اختيار المنهج، مرورًا بآلية أخذ العينات، وصولًا إلى استشراف النتائج المحتملة. إلا أنّ استعراض حالتين في هذا الفصل يوضّح أنّ دراسات التقارب لا يمكن أن تُغفل التباين، كما أنّ دراسات التباين لا يسعها تجاهل التقارب. وفي هذا الإطار، أجرى (برغ–شلوصر 2001) دراسة تحليلية لتصاميم البحث الكيفي المقارن، اقترح فيها مصفوفة ثنائية البعد (2×2) تفرّق بين درجة التشابه بين الأنظمة أو الحالات، وبين أنماط التنبؤ بالنتائج أو المتغيرات، وهو ما يعرضه الشكل .
الشكل 9.2: مخطّط تصميم العيّنات في البحوث المعتمدة على دراسة الحالة
معظم الأنظمة المتشابهة + نتائج متشابهة | معظم الأنظمة المختلفة + نتائج مماثلة |
معظم الأنظمة المتشابهة + نتائج مختلفة | معظم الأنظمة المختلفة + نتائج مختلفة |
المصدر: (برغ–شلوصر 2001، ص 2430) | |
وعلى نحو مغاير، بيّن (ليفي–فور 2006) أنّ الدراسات المقارنة المرتكزة على دراسة الحالة يمكن ترتيبها ضمن مصفوفة "الاختلاف–الاتفاق"، التي تسعى إلى إبراز أنماط التباين والتلاقي في آن واحد. وقد جرى عرض هذه المصفوفة في الشكل .
الشكل 9.3: أربع استراتيجيات استدلالية في البحوث المقارنة المعتمدة على دراسة الحالة
الاتفاق | الاختلاف | |
تصميم أبحاث النظام الأكثر مماثلة | التعامل مع أوجه التشابه في الحالات المماثلة: تقليل تباين المتغيرات الضابطة والتابعة | التعامل مع الاختلافات في الحالات المتشابهة: تقليل التباين من المتغيرات الضابطة، تعظيم التباين في المتغيرات التابعة |
تصميم أبحاث النظام الأكثر اختلافًا | التعامل مع أوجه التشابه في الحالات المختلفة: تعظيم تباين الضبط، والمتغيرات المستقلة، تقليل التباين في المتغيرات التابعة | التعامل مع الاختلافات في الحالات المختلفة: تعظيم التباين بين المتغيرات الضابطة والمتغيرات التابعة |
المصدر: مقتبس من ليفي–فور (2006)، ص 59. | ||
تكشف التحليلات النوعية الثانوية لدراسة التربية المدنية للرابطة الدولية لتقويم التحصيل الدراسي (IEA) أنّ معظم الباحثين اتجهوا إلى ما يُسمّى بمنهج الأنظمة المتباينة والنتائج المتباينة. ومن مراجعة الحالات التي استُعرضت في هذا الفصل، يظهر أنّ كلما ازداد الطابع النوعي للدراسة المعتمدة على تحليل الحالة، ارتفعت درجة التباين التي رصدها الباحثون. وقد أظهر التحليل العابر للحالات الذي قام به (موريس وآخرون 2002) تكرار لفظ "التباينات" مرات عديدة في الصفحة الواحدة، مما يشير إلى أنّ التركيز على التفاصيل السياقية يقود عادةً إلى إنتاج "وصف كثيف" يقدّم صورة أكثر عمقًا عن النسيج الداخلي للظواهر المدروسة، وبالتالي يرفع مستوى الاختلافات الملاحظة. وهذا الاتجاه يتوافق مع ما هو متداول في المناهج المعتمدة على دراسة الحالة في العلوم الاجتماعية، والتي يُشار إليها عادة بأنها بحوث "قليلة العيّنة، متعددة المتغيرات" (شتاينر–خامسي وآخرون 2002أ).
يمكن أن تختلف المناهج المتبعة في تحليل الدراسات النوعية. فقد تضمّنت التحليلات النوعية الثانوية للحالات التي عالجتها دراسة التربية المدنية للرابطة الدولية لتقويم التحصيل الدراسي (IEA) كلًا من مناهج النظرية البنائية المرتكزة على الميدان ومقاربات منطلِقة من فرضيات سابقة. فالمقاربات الأولى اعتمدت على نهج متدرّج يضيّق مجال التحليل شيئًا فشيئًا إلى أن يصل الباحث إلى بؤرة مميّزة تتصل بمفاهيم المواطنة، ثم تُقارَن تلك المفاهيم بالسياق النظري القائم بغرض التحقق. أما المناهج الأخرى فانطلقت من نظرية أو فرضية محددة سبقت اختيار الدول محل الدراسة، ثم سعت إمّا إلى التحقق من تلك الفرضية من خلال الحالات المختارة، أو إلى إعادة اختبارها في ضوء النتائج. على سبيل المثال، اختارت (شتاينر–خامسي 2002ب، ص 21) أربع مجتمعات للمقارنة استنادًا إلى نموذج افتراضي صاغته يميّز بين أربع دوائر مختلفة للمواطنة: الدائرة الدستورية، والدائرة الاقتصادية، والدائرة المدنية، والدائرة الأخلاقية. غير أنّ ما توقّعته لم ينعكس في المعطيات التي جرى تحليلها.
تُظهر دراسة المناهج أنّ مناهج التربية المدنية في هونغ كونغ لا تتّسم بصفة أخلاقية مغلّبة، وأنّ المناهج الألمانية والرومانية لا تُبرز البعد الدستوري أكثر مما هو قائم في غيرها من الدول. وفي المقابل، لم تُعطِ البرامج الأمريكية للتربية المدنية أهمية كبرى لتعليم الطلاب حول الاقتصاد، ولم تسعَ إلى دمجهم عمليًا في الممارسات والأنشطة المدنية. ومع ذلك، فإن ما برز بوضوح في الحالات الأربع المدروسة هو أنّ المجالين السياسي والاقتصادي متشابكان بصورة عضوية تجعل من المستحيل النظر إلى أحدهما بمعزل عن الآخر.
تؤكد القراءة التحليلية للدراسات التي استعرضها هذا الفصل أنّ بحوث القيم ذات الطابع المقارن قد أغنت التربية المقارنة بقدر كبير من العمق، إذ لم تقتصر على الكشف عن موقع القيم داخل السياقات الاجتماعية والسياسية المختلفة، بل أوضحت كذلك العلاقة التفاعلية بين التعليم وتلك القيم، وبيّنت إمكانات إعادة التصنيف بحيث تُجمَّع القيم داخل أطر وطنية أو تُجمَّع الدول ضمن أطر قيمية مشتركة، كما أبرزت التفاعل الحيوي بين المحلي والعالمي في حقل القيم. ويبدو التركيز على السياق سمة أصيلة في هذا النوع من الدراسات، الأمر الذي أفضى إلى نتائج غير متوقعة، مثل اكتشاف الاختلاف في قلب التشابه أو التشابه في قلب الاختلاف. كذلك، فإن هذه البحوث تنبني على أسس نظرية ثرية، سواء عبر مقاربات بنائية تستند إلى معطيات ميدانية أو من خلال نماذج تستند إلى الفرضيات، بما يجعل تطوير النظرية والتحقق منها عمليتين متلازمتين. وتعليقات (ليفي–فور 2006) تُجسّد بصورة مثالية الخصائص الجوهرية لهذه الدراسات المقارنة التي تمت مراجعتها في هذا الفصل.
إنّ تكريم البحث المقارن والاحتفاء به يتمثّل في السعي نحو تطوير لغات ومصطلحات جديدة، واعتماد آليات إجرائية وأدوات استدلال مبتكرة، بما يجعل من التجديد سمة أساسية ومن تجاوز المناهج التقليدية شرطًا للتقدّم، مع النظر بعين نقدية إلى سيطرة دراسات الحالة والمقاربات الإحصائية على هذا الحقل. ويعني ذلك أيضًا محاولة جادّة لرأب الصدع بين الاتجاهين: البحث المتمركز حول الحالات من جهة، والبحث المتمركز حول المتغيّرات من جهة أخرى، بما يفتح المجال أمام مقاربات أكثر شمولًا وتكاملًا.
تُظهر الدراسات المقارنة للقيم التي جرت مراجعتها في هذا الفصل نزوعًا واضحًا إلى البحث عن لغات ومفردات جديدة، وصياغة مفاهيمية مبتكرة، واعتماد إجراءات منهجية وأدوات استدلالية مغايرة، بما يعكس روح التجديد التي تسعى إلى تجاوز المألوف. وقد أثرت هذه الدراسات ميدان التربية المقارنة من ناحيتي المضمون والمنهج معًا، إذ فتحت آفاقًا لفهم أكثر عمقًا للقيم، وبيّنت التعدّد الكبير في السبل التي يمكن أن يُتناول من خلالها السؤال الواحد حول القيم وفق مقاربات متمايزة ومتنوعة.